الجمعة، نوفمبر 16، 2007

خانة الديانة في بطاقة الهوية

بشكل مستفز يصرخ الكثيرون مطالبين بمحو خانة الديانة من بطاقات تحقيق الشخصية في مصر ، فهل أعتبر هذه الدعوات سذاجة شديدة أم ماذا ، ربما تكون نوعا من التصيد في الماء العكر ، فنظام الحكم المترنح و العالم المضطرب الذي نعيش فيه ، و الولايات المتحدة المتوحشة حاليا ، تدفع الكثيرين إلى ممارسة الانتهازية في أشد صورها ، و يساعد على هذا صورة المسلمين المتردية و مهابتهم المفقودة

لو أننا في عالم مثالي لكان مثل هذا الطلب معقولا ، لأن العالم المثالي ستكون فيه من القوانين ما يمنع التمييز ، و سيكون سلوك الأفراد فيه هو ضمان استمرارية السلام الاجتماعي الذي هو الأساس لأي رخاء و نمو ، سيكون الأفراد حماة هذا السلم الاجتماعي ، خاصة و أن الإسلام يأمر أتباعه بالعدل و الحسنى مع غير المسلمين

و لكن لأننا لسنا في هذا العالم ، بل إننا نعيش في ظروف مضطربة أشد الاضظراب ، يصعب فيها تحقق الثقة المتبادلة بين اتباع أي فكرة أو جماعة ، لا أقول فكرة أو جماعة دينية ، بل أي فكرة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، و ليس خافيا الاتهامات المتبادلة بين الجميع ، فاالكل يتهم الكل بالعمل على تدمير البلاد ، أو بالتبعية لأية قوى من القوى الخارجية ، أو بالعمل لمصالح خاصة ... و في مثل هذا الجو يكون من الحكمة أن تبقى الهويات واضحة ، فمن الخطورة أن لا نعرف هذا من ذاك ، و نحن نعيش ظروفنا هذه

و من السهل وضع القوانين التي تمنع و تعاقب كل من يمارس أي شكل من التمييز إذا حدث ذلك

هل من الحكمة أن نعتقد أن هناك تمييزا يجري هنا و هناك ، فيكون رد الفعل أن نتخفى منه؟ ... إذا كان هناك من سيمنعني حقا بسبب اختلافي معه في الدين ، أليس المنطق يقول بأن أقاومه و أعمل على إزاحته أو منعه مما يعمل؟ أم أن المنطق يقول بأن أذهب إلى هذا الشخص فأدعي أنني على دينه لكي أحصل على ما أريد؟

فكرة عجيبة لا تصدر إلا من منحرف العقل ، أو ممن يعلم أن له غرضا خبيثا ...

بل إن بقاء خانة الديانة يساعد على متابعة ما يجري ، فبالإحصاء و التحليل العلمي يمكن أن نحقق في وجود أي تمييز ، و لكن عندما يختلط الحابل بالنابل ، كيف سيمكن أن نضمن وصول الحقوق لأصحابها

إن الولايات المتحدة مثلا مارست التمييز بسبب اللون لعقود طويلة من السنين ، فلم يطالب أحد أن يتم تلوين الأمريكيين جميعا بلون محايد ، بل لقد قامت الحركات و المنظمات و وضعت القوانين و القواعد التي تساعد على تحقيق العدل ، و في نفس الوقت و حتى الآن ، و من أجل أن يتابعوا تحقق النتائج المرجوة ، فهم يجمعون البيانات طوال الوقت عن عنصر أي فرد سواء أكان طالبا في مدرسة أو جامعة أو كان عاملا في أي جهة حكومية أو خاصة ، و مازال هذا يحدث طوال الوقت و حتى الآن ، بل إن توجيهات حكومية صدرت منذ أسابيع من أجل تنقيح عملية جمع البيانات عن عنصر أي شخص ، سيجري تطبيقها في بدايات العام القادم

و عنصر أي شخص يعني كونه أبيض أو أسود أو هندي من السكان الأصليين أو أسيوي أو غير ذلك

عندما نريد أن نعالج وضعا خاطئا ، فالمزيد من المعلومات عنه هو ما نحتاج إليه

و عندما نحقق مجتمعا أفضل و أصح ، فسوف لن يهتم أحد بمثل هذا ، غير أنه و كما قلت ، فإن ظروفنا الحالية تدفع المغرضين إلى تفعيل أغراضهم الخبيثة ، و للأسف أن ينخدع سذج بمثل هذه الأفكار التي قد تكون سليمة لا غبار عليها ، غير أن الظروف القائمة تجعلها خطرا محققا

الاثنين، أكتوبر 22، 2007

الجيش المصري

بدأت تتسرب المقالات إلى الصحف مشيرة إلى الجيش المصري ، لكن لا يدعو أي مقال إلى أن يتحرك الجيش للتعامل مع الوضع في مصر ، غير أن هذه المقالات موحية بذلك ، فهناك الرغبة في أن يحدث تغيير حقيقي في مصر ، و بناءا على ما هو قائم فالأمل شبه مفقود في أن يثور الناس ، و هو الذي يدفع البعض في السؤال عن الجيش

و الحذر مفهوم في هذه المقالات ، فالسلطة غاشمة و تحارب للبقاء ، و لن تتورع عن أي فعل ، ضد ما يهدد بقاءها في الحكم ، كما أن التعدبلات الدستورية الأخيرة جعلت العنف و الإرهاب الحكومي مقننا بل دستوريا ، فلا عجب أن يكتب الكتاب بحذر عن الجيش ، بل لا عجب أنهم يقولون إنهم لا يريدون أن يتدخل الجيش في السياسة ، رغم أنهم يصرخون أملا أن يتقدم الجيش لإنقاذ البلاد


هو وضع محزن أن يكون الجيش هو أمل الراغبين في التغيير ، لأنه يعني أن الناس قد فقدوا القدرة على العمل ، و هو وضع يثير الغضب الشديد ، فإن البلاد تتراجع ببشاعة ، و الحكم القائم لا يواري سوءاته ، بل بلا حياء يفسد الحاضر و المستقبل معا ، و رغم هذا لا ثورة تقوم ضده

إن الإضرابات التي تقوم من وقت لأخر مبشرة ، خاصة و أنها انتقلت من العمال في المصانع إلى موظفي الضرائب العقارية كما ذكرت الأخبار ، و هو تطور نوعي مهم ، و لكن الأفق لا يبدو أنه يحمل ثورة كبيرة ، تنقذ مصر من حكامها الحاليين

و عندما يفكر من يفكر في الجيش فإنما هو تعبير عن اليأس ، و كم أتمنى ألا نيأس ، و كم أتمنى أن يكون التغيير و التخلص من الفساد الحاكم بيد الشعب لا بيد الجيش ، فمعارك الجيش آتية في المستقبل ، فإما أنه سينصلح الحال مما سيثير بعض القوى الخارجية ، و هنا سنحتاج الجبش ، أو أن الحال لن ينصلح ، و هنا سنحتاج الجيش للدفاع عن بقاء مصر بلدا مستقلا

الأحد، مارس 25، 2007

التعديلات الدستورية

غدا تتم الجريمة ، و يصبح من الدستور أن يقتحم زبانية الشرطة بيوت المصريين ، كما يحلو لهم ، و سيصبح لهم أن يتجسسوا على الرسائل ، و على التيلفونات ، و على كل ما يطلق عليه أمور شخصية ، بلا رابط أو ضابط ، و لا وسيلة لاسترجاع الحق ، أو لرد الاعتبار ، فإن كل هذا سيكون من الدستور ، سيكون ممنوعا على أي كان ان يحتفظ بورقة لا يحب نظام الحكم ما فيها ، فلو أن في بيتك ورقة ما تقول إن مبارك حاكم غير جيد فأنت تعادي النظام ، و تعرض الأمن العام للخطر بهذه الفكرة ، و أنت بذلك معرض للقبض عليك و اقتحام بيتك

لن يجوز لطلاب الجامعة ان يرفضوا أي شيئ ، أو أن يحتجوا على ما أمر من الأمور ، في الحقيقة لن يحق لأي مصري أن يعترض على أي شيئ أو أن يرفض أي شيئ ، لأن الدستور الجديد يسمح للشرطة أن تقبض على كل من يعلن أنه لا يوافق أو أنه لا يرضى عما يفعله النظام الحاكم ، سيصير كل هذا بالدستور ... و هي مرحلة متقدمة جدا ، فلقد كنا نسمع مثلا أن اللصوص يتباهون أن ما يفعلونه يكون بالقانون ، الآن وصل الأمر إلى يكون الافتراء بالدستور الذي هو أبو القوانين

يحار المرء في فهم هؤلاء الناس الذين في قمة السلطة ، فهم يبدون محترمين ، و ذوي خبرة و كياسة ، ثم تجدهم يفعلون هذه الأفاعيل في البلد الذي يحكمونه ، هل هم لا يرون او لا يفهمون ، أم أنهم يعرفون ما يفعلون إلا أنهم لا يبالون بالعواقب ، طالما أنهم فوق القوانين و الدساتير ...

إنني أعجز عن الكلام ، و و أعجز عن تصور مصر في السنين القادمة ، كل العالم يتجه نحو الانفتاح ، و حكام مصر يقنون الاستبداد ، بل و يدسترونه ، ماذا يريدون أكثر مما حصلوا عليه ؟ هل سيزدادون مالا أم سيزدادون أي شيئ على الإطلاق ؟ ...


أعجز أيضا عن فهم هذا المدى من السلبية التي نحن فيها ، لماذا لا نثور ، و نرفض بقوة ، و نقاوم هؤلاء المجرمين على قمة السلطة ، لماذا لا يحدث شيئ كبير في مصر ؟ ... أين منا ثورة 1919 أو حتى انتفاضة 1977 ... في 1919 كان هناك قادة و كان هناك مناخ صحي ربما كان هناك احتلال ، و فساد في السلطة ، و لكن أولئك الفاسدين وقتها ، كانت لديهم بعض القيم الإنسانية ، أو أن المصريين كانوا أقوى مما هم الآن ، أو هم القادة الذي كانوا هناك وقتها ، كانوا هم الذين يحركون الجماهير الحركة الصحيحة ، بينما الذي يفترض أن يكونوا القادة حاليا ، هم أسوأ من فينا


في 1977 كان السادت في الحكم ، و السادات كان رجلا قويا ، لا يخاف ، و لذلك كان للناس صوت في عهده ، و لا أنسى ذلك الطالب الذي وقف يجادله علانية على شاشة التليفزيون ، ثم لا يحدث أن يختفي هذا الطالب من بعدها ، بل إنه واصل حتى صار نائب مرشد الإخوان المسلمين ، عبد المنعم أبو الفتوح ، أتصور الآن حسني مبارك في مكان السادات ، فهل كان أبو الفتوح سيخرج على قدميه بعد ذلك الحوار ، بل هل كان سيسمح له أحد أن يتحدث على الإطلاق؟ ...


إن حسني مبارك رئيس يسير إلى الوراء ، إن مصر ترجع إلى الماضي ، بكل المعاني ، فهي تفقد قوتها ، و قدرتها على التأثير ، و ريادتها ، و تفقد الحرية ، و الاحترام ، بل و يفقد أهلها الحياة الكريمة بأدني مستوياتها ... ما هذا الذي يجري؟ و كيف سيكون حالنا بعد عشر سنوات من الآن ... إنني أتصور أن القصة الشهير لجورج أورويل 1984 تتحقق في مصر ، و سوف نرى منع الكلام ، و المحاسبة على الفكرة التي تخطر في البال ، و سنرة الأكل و الشرب يوزع بالقطارة على العبيد في كل أنحاء مصر ، و سنجد كاميرات المراقبة تراقب كل مصري في غدوه و روحه ، بحجة الحماية من الإرهاب ... لن يكون هناك قضاء ، و لا عدل ، لأن الدستور الجديد يجعل الشرطي يفعل ما يريد ، بلا إذن من قاضي أو إذن من نيابة ، و طالما كان ذلك بالدستور ، فلا يحق لأحد ان يشكو أو يتظلم ، و بالتالي لن يكون هناك خلاص و لن يكون هناك عدل و لا أمل في أي شيئ ॥

الاثنين، يناير 08، 2007

و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين

هل هناك وسيلة لأعرف الطريق الأمثل في الحياة؟ كيف أعرف ما الذي أسهم به في هذه الدنيا؟ و ما هو الغرض ابتداءا من الرغبة في المساهمة؟ ... تلك هي الأسئلة الكبيرة ، بجانب سؤال السعادة ، و ربما هي الوجه الآخر من سؤال السعادة

الدين هو الشكل الأكمل للفلسفة ، فما الفلسفات التي صاغها الناس إلا محاولاتهم لوضع دين ، و إن لم يقصدوا ، و لذلك فإن التدين تفلسف ، و كل رجال الدين فلاسفة أو دارسون للفلسفة ، و لا يجب أن نخصص الفلسفة بأعمال هؤلاء الأشخاص الذين نطلق عليهم الفلاسفة

فإذا كنت أعلم أن الفلسفة تبغي فهم هذه الحياة و استكشاف معانيها ، فإن فيها الإجابات لتلك الأسئلة الكبيرة ، و إذا كانت الفلسفة جهودا بشرية في وضع أديان ، فإن المنطق يقول أن ألجأ إلى الدين من أجل أن نجد الأجوبة المطلوبة ، فهذا الدين هو الفلسفة الكاملة ، و قد صاغه الله تعالى ... إلا أن ما يحدث هو أنني أبحث في كتب كتبها البشر عن إجابات ، و أقرأ القرآن فأجد الشعور بأن فيه ما أبحث عنه ، و لكن اتردد أمام فكرة اتخاذ القرار .. وصول الأفكار التي صاغها أحد الناس أسهل ، و تنفيذها بسيط ، رغم أن التأمل فيها يختلط غالبا بشكوك في جدواها أو في قابليتها للتنفيذ ، لأنها إنما جاءت من خبرة البعض الذين عاشوا في ظروف مختلفة

يقول تعالى في آخر سورة الحجر "و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ... و هذه جملة مهولة ، لا نهاية لما يمكن أن أتعلم منها ، و في مختلف الحالات و الظروف ، و ما أفعله عندما تخطر لي هو أن أشعر بشيئ من الثقة و الاكتفاء ، لكني لا أجد الفعل المحدد الذي يمكن فعله في أحيان كثيرة .. ماذا أقول؟ إنني أقول إنني لا أجد الفعل المحدد الذي يمكن فعله ، أي أنني أبحث عن عمل محدد البدء و الانتهاء و المحتوى ، و هذا الشعور بعدم الوصول يتناقض مع التصديق بالآية ، فهي تعني أن أستمر فيما أحاول حتى نهايته ، أي أن هناك مدى يمكن ان يطول أو يقصر ، و الفعل المحدد في الآية هو فعل العبادة بينما اليقين هو المنتهى ، و أنا أريد اليقين الآن و هذا لا يبدو متسقا مع ظاهر الآية ... لا يمكن أن أستسلم أو أيأس مع هذه الآية ، ففي معناها الأعم هي توجهني أن أستمر في السعي فيما يرضاه الله حتى نهاية العمر ، مهما أجد أو ألاقي من صعاب أو من مغريات ، و اليقين هو الموت في آخر الحياة ، و قد يكون اليقين أيضا هو نهاية أي عمل من الأعمال ، فإن معانيه الأخرى التي هي دون الموت و نهاية العمر ، تعني الوصول إلى نهاية الأعمال المختلفة التي يمكن قد أكون أو سأكون عاملا فيها ، أي أن هذا الشيئ المحدد موجود و يمكن أن أصل إليه فقط

إن الموت نهاية مقررة بإرادة الله ، لا يستطيع أحد أن يغيرها مهما كانت الحياة التي يعيشها ، أما الأعمال الأخرى التي يعملها البشر فإن لها نهايات شتى ممكنة ، و كل عامل هو الذي يحدد النهاية ، فواحد يقرر ما الذي يريد تحقيقه ، و يسعى بلا كلل حتى يحققه ، و واحد يسعى و لكن يتوقف دون تحقيق ما أراده عندما بدأ ، و يرضى بما تحقق ، فهو قد غير النهاية ، و آخر قد لا يكمل السعى ، و يتخلى تماما عما أراده عندما بدأ ، فهذا لم يصل إلى النهاية ... الأول استمر حتى يقين عمله الذي بدأه كما قالت الآية ، و الثاني غيره بينما الثالث فشل ... هذه نهايات مختلفة ، يمكن مقارنتها باليقين الذي يأتي في نهاية العمر ، فالآية إذن شملت كل الحالات فلماذا أشعر أنني لا أجد الفعل المحدد؟ إنها لاشك مشكلتي أنا لا مشكلة الآية

و هذا اليقين ليس هو الهدف ، و لكنه مكان الوصول و حسب ، و الغاية هي فيما يليه ، و كذلك أهداف الناس ، فهي أماكن و علامات الوصول بينما الغاية هي ما يحققونه بعد الوصول من مشاعر أو مكاسب مادية ، فأنا لا أريد النجاح إلا لأنه يسعدني أن أنجح ، و لا أسعى إلى المال لأختزنه ، بل لأستمتع به ، و حتى ذلك البخيل المريض فإنه يستمتع بكنز المال و استمتاعه هو غايته بينما يقينه هو تحقيق جمع المال

و في الحياة نريد أن نحقق الغاية و هو الفلاح بعد الموت ، و الطريق هو صراط الله المستقيم الذي يصل بنا إلى يقين الموت ، و في الأعمال الأخرى خلال ذلك نريد تحقيق الغاية ، و الطريق هو بذل الجهد و تحرى ما يوصل إليها ، دون كلل أو انهزام ... فـ "اعبد ربك" تعني أن أفعل كل ما أمر به و نهى عنه و أن أستلهم حكمته ، و أن أستمر بلا توقف حتى آخر العمر ، لكن ليس هناك كتاب مثل القرآن يقول ما أفعل ، و لكن هناك القرآن يقول لي ما أفعل بشأن العمل الأكبر الذي يشمل الحياة كلها ، فهل إذا علمت ما أفعل بشأن العمل الأكبر ، سيكون فعل ما تستلزمه الأعمال الأصغر غامضا؟

لا يجب أن يكون هذا هو الوضع ، و لكن يجب أن أستلهم الفكرة من فعل الأمر "اعبد ربك" .. ففي العمل من أجل إنهاء بناء ما يجب أن أوفر الموارد و الإمكانات المطلوبة ، و يجب في هذا أن أكون أعبد ربي ، فلا أسرق هذه الموارد ، و لا أؤذي في جمعها أحدا و لا أخالف أمرا بالبناء .. يجب أن أتحرى حكمة الله في كل شأن من شئون إقامة البناء ... فالآية إذن تعمل في كل المستويات ، و العمل عبادة

إن حصر الآية في أمور العبادات و الشعائر لا يجب ، إلا أن أكون ناسكا لا غرض لي في هذه الدنيا ، أما إذا كنت مهندسا أو جنديا أو إداريا فإن تفاصيل عملي يجب أن تدخل في إطار الآية عند أدائها

و هنا أتخيل أن أقول لموظف على مكتبه أن يعبد الله حتى يأتيه اليقين ، فهل سيفهم هذا الموظف أو هذا الطبيب او هذا المهندس ، أنني أعني أن يتقن عمله ، و يسعى لأعلى درجات النجاح و الإجادة فيه؟ .. الإجابة هي أنه يجب أن يفهم هذا ، و لكن هذا ليس ما يحدث في العادة ، فهناك فصل ما بين الدين و الدنيا ، يمكن تصويره بحالة ذلك الشخص الذي يلبس الجلباب عند الذهاب لصلاة الجمعة ، و لا يلبسه إلا لهذا ... أو الذي تحيته السلام عليكم مع إخوانه المسلمين حول المسجد ، و لكن تحيته في غير ذلك هي مختلفة ، حتى مع إخوانه المسلمين أيضا .. هناك فصل ، و هو خطأ كبير

إما إن قلت لهذا الشخص أن هناك عشرة قواعد للنجاح منها الجدية و الالتزام ، و الإصرار ، و غير هذا مما تحفل به كتب تحسين الذات ، فإنه سيجد ما يفعله بناءا على ما يسمعه ، و سيأخذه الحماس ، و يؤدي العمل بشكل أفضل ، على الأقل لبعض الوقت

إن هذه القواعد لا تخالف الآية ، و لكن ماذا لو أن هذا الحماس جاء من التأمل في الآية؟ إنه سيأتي معه بفوائد أخرى عظيمة ... الناس يفهمون كلام الناس (المتفلسفين) أفضل من فهمهم لكلام الله تعالى ، للأسف الشديد .. و الخطورة هي أن كلام الناس قد يحمل أخطاء ، و لكن كلام الله صحيح على الإطلاق

و سبب هذه المشكلة هو أن الناس لا يتمثلون الآية ، فالآية فيها الحل ، فهي تقول "و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ، أي واصل بما يرضي الله تعالى ، حتى نهاية المدى ، تلك هي مهمتنا ، و الله تعالى قال في الحديث القدسي "من تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا ، و من أتاني سعيا أتيته هرولة" .. أي أن الاستمرار هو أساس النجاح ، في الأمور اليومية المختلفة ... إن استلهام حكمة الله ، سوف يؤهلني لأن أرى ما لم أكن آراه ، و سوف أكتشف بسهولة كيف أن آية قرآنية واحدة كهذا ، فيها كل ما كتبه الكتاب في فلسفات التعامل مع الآخرين و تحسين الذات

الأمر هو أنني كإنسان متعجل ، أريد أن أحقق ما أريد ، و لا أسعى السعي المناسب ... فقط لأواصل ، و لسوف تأتي الثمار مضاعفة ، لا فقط تأتي كما تمنيت ، بل مضاعفة أضعافا كثيرة ، ربما إلى سبعمائة ضعف

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...