الأحد، سبتمبر 09، 2018

من دروس الهجرة النبوية أن الحرية شرط الإصلاح و التجديد



الإنسان الحر المالك أمره، فقط، هو من يمكنه أن يفكر التفكير السوي، أخطأ أو أصاب، لابأس، فإن ما يقرره سيفيد في تحقيق خطوة إلى الأمام، بتجنب الاتجاه الخاطئ، أو بالحركة في الاتجاه السليم، لكن المقهور المقيد، الذي لا يملك القدرة على الحركة أو حتى التعبير، بسبب الموانع و المحاذير المفروضة، و الذي لا يضمن حتى حفظ أمنه و سلامته، بل هو لا يدري كيف تدار أحوال معيشته، فمثل هذا لا يُرجى منه، و لا يجب أن ينُتظر منه تقديم فكر سليم.

و لما كانت هذه هي أحوال الحقبة الحالية في مصر، فإن الأفكار المتكررة أو المتجددة هنا و هناك، بشأن تجديد الخطاب الديني، و التجديد إطلاقا، و التنوير، و التحديث و الإصلاح، إلخ ... لن تفيد، و لن تحقق تقدما، و فقط ستزيد من البلبلة، و تعمق من حالة اليأس و الإحباط، و تترك المجال فسيحا، لانهيار المنظومة الاجتماعية.

فتحت تأثير القهر و الاستبداد، لا يصح أن نسعى لتغيير الأفكار و السلوكيات الجمعية، و القيم الدينية و الاجتماعية القائمة، لأن الأفكار في هذه الحال، لن تكون إلا ردود أفعال، و سعيا نحو رضى أصحاب السلطة و التأثير في الداخل أو في الخارج، لأن مقياس النجاح سيكون رضاهم عن أحوال تفكيرنا المستحدَثة، و لن يكون معبرا عن الواقع، و المبدأ بسيط: أن من يعمل و فوقه قوة قاهرة لن يعمل إلا من أجل رضا هذه القوة.

و السبيل الوحيد نحو التطور و التطوير، و التجديد، و التخلص من كل رواسب الماضي غير السوية، يبدأ بالمناخ السوي، و في بداية دعوة الإسلام العبرة في هذا، فإن المسلمين قد هاجروا من مكة، لتتاح لهم الفرصة ليكونوا كما يريدون، و لم يذهبوا إلى المدينة و هي خالية من الناس، ليبدأوا حياة جديدة تماما، بل إن المدينة كانت مقر اليهود، و هم أعدى أعداء دعوة الإسلام، و لكن الترتيب المعيشي، الذي أتاح الحرية للجميع، هو الذي تنمو فيه الأفكار و تتطور القيم، و السلوكيات.

و إن حال مصر اليوم يناظر الحال لو كان المسلمون قد بقوا في مكة تحت الاضطهاد، يحاولون نشر الدعوة، ففي مصر من دعاة الإصلاح و التطوير من هم على علم و أمانة، و رغبة صادقة في خير البلاد، في كل المجالات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية، و لا أقصر كلامي على الإصلاح الديني فقط، كما يسميه الكثيرون، و لكن الكل مُضطهد و المعيار الوحيد للسماح للفكرة بالوجود هو رضا السلطة الحاكمة، و هي سلطة مستبِدة تتخذ القهر مسلكا وحيدا.

و قد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في مكة و معه المسلمون الأُوَل، يسعون لنشر الدعوة، في ظل سلطة تخشى على امتيازاتها، و تقاوم فكرة المساواة و العدل، و كان الله تعالى قادرا على تحقيق المعجزة في أي حال، و لكنه سبحانه يعلمنا التفكير المنطقي، فأمر المؤمنين بالهجرة إلى مكان آخر، تكون فيه الحرية متاحة للجميع، و عندما أمر رسول الله المسلمين بالهجرة إلى بلاد الحبشة، أخبرهم أن فيها ملكا لا يُظلم عنده أحد، و عندما حان وقت الهجرة إلى المدينة، فقد جرى الترتيب قبلها و عقد الاتفاقيات مع سكان المدينة ليتعايش الجميع، و هنا نمت و ارتفع شأن الدعوة و بدأ عهد المجتمع الجديد.

و على مدى تاريخ انتشار الإسلام في أنحاء العالم، كان الهدف الأول هو إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ليؤمن من آمن و يبقى من يشاء على ما هو عليه، و في مصر بالتحديد، كان من أول ما قام به عمرو بن العاص في مصر، أن أعاد بابا الأقباط الهارب من الاضطهاد الروماني إلى موقعه، لأن المناخ السوي هو الظرف الوحيد الذي تنمو فيه المجتمعات نموا صحيحا.

ليس منطقيا أن يقوم مجتمع و فيه قوة تقهر أفراده و قواه الأخرى، حتى و إن سعت هذه القوة أو ادعت بسعيها، الإصلاح و التطوير، فإن مأل هذا المجتمع سيصير إلى ما صار إليه الاتحاد السوفيتي السابق، الذي انهار رغم أن سلطته القاهرة وصلت به إلى مقام القوة العظمي الثانية في الدنيا، و إذا ما حاولت القوة الممسكة بالسلطة تحقيق الإصلاح لتابعيها فقط من أصحاب ذات الفكر، أو ذات العِرق، فالمأل هو ذاته، كما جرى في حالات الاستعمار الحديث في القرن الماضي، و في جنوب أفريقيا كمثال أوضح، و يتحدث كثيرون اليوم عن مشكلات إسرائيل، إذ يخشى الإسرائيليون أنفسهم على مستقبلهم، و لذلك فإن كل خططهم الاستراتيجية تقوم على التخلص من الفلسطينين أصحاب الأرض الأصليين، ليبقى المجتمع هناك خالصا لليهود فقط، و عندها سيصح فيه التحضر و التطور و يبقى (بغض النظر عن بنيته الأساسية العنصرية)، لأنه سيكون عادلا مع كل من فيه، لعدم اضطهاده البعض من أفراده، و ذلك العلو الذي وصلت إليه مصر في فترة الستينات ثم آل إلى سقوط مدو مثال شديد الوضوح.

فلا تطوير و لا تحديث و لا تجديد، مع القهر و الاستبداد، و ستخيب كل المساعي لأي تطوير، لأن المجتمع ليس حرا، و إمكانات أفراده حبيسة، و المعرفة فيه مقيدة، بل و مسمومة و التضليل و التجهيل فيه ركن من أركان السلطة، و الطبقية الخبيثة هي ملامح الترتيب الاجتماعي فيه.

و بخصوص تلك الفكرة الخيالية عن المستبد العادل، فإن هذا المستبد العادل، هو الذي يحقق العدل، و العدل يعني إعطاء كل ذي حق حقه، و عندها لا يكون هذا المستبد مستبدا، فهي فكرة غير ممكنة، و خاصة في هذا الزمن المنفتح معرفيا، المتواصل بلا حدود، ربما كانت ممكنة قبل أجيال عديدة نظريا، عندما كانت سلطة ما تستطيع أن تنفرد بجماعة من الناس فتدير أمورهم كما ترى، و لكن في عصر الاتصالات هذا، لم يعد ممكنا أن تنفرد سلطة ما بجماعة ما، و حال كوريا الشمالية مثال واضح، و الفترة الناصرية في مصر مثال أوضح لنا لنتعلم منه.

بالمناخ السوي الذي يسمح فيه لصاحب الرأي أن يعبر عنه، و لصاحب الموهبة أن يعمل بها، و لا يكون فيه لأي سلطة أن تقهر أو تستبد، و يستطيع فيه الأفراد أن يتجمعوا و أن يؤثروا في المجتمع، و الذي يتحقق فيه العدل بين الجميع، سيكون لدعاوي الإصلاح و التطوير نتيجة، و الخلاصة، عندي، أنه لا يمكننا أن نستشرف أملا في مستقبل أفضل في مصر، لأنه لا يبدو أن القهر و الاستبداد سينتهيان قريبا.

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...