الجمعة، فبراير 17، 2023

عن رواية "قواعد العشق الأربعون" .. إنه دين جديد !

 قواعد العشق الأربعون - رواية للمؤلفة التركية إليف شفق، نشرت بالولايات المتحدة سنة 2010 بالإنجليزية - The Forty Rules of Love

رواية مخيبة للتوقعات، فيها حكايتان متوازيتان، في كل منهما أن متصوفا يغوي شخصا آخر.

في الحكاية المعاصرة، من القرن الحادي والعشرين، رجل أوروبي ماتت عشيقته، وتحول للإسلام، فاختار التصوف، وألف قصة عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، وهما شخصيتان حقيقيتان، عاشا في القرن الثالث عشر، ووصلت القصة لامرأة أمريكية يهودية، لتراجعها لدار النشر، فتواصلت المرأة مع المؤلف بالإيميلات، ونشأت بينهما قصة حب، انتهت بأن هجرت المرأة زوجها وأولادها، لتسافر مع الأوربي المتصوف إلى بلاد غريبة، يموت فيها، وهي لا تعود إلى أسرتها، بل تقرر الذهاب إلى هولندا، لتعيش في مكان عيش حبيبها الذي مات.

أما القصة القديمة، من القرن الثالث عشر، زمن السلاجقة، فتحكي عن متصوف اسمه شمس التبريزي، وهو شخصية حقيقية، جعلته الرواية شخصا متفردا، ذا تأثير سحري، وجعلت جريمة قتله هي أول حدث في الرواية، ومن بعدها نجد أن هذا الدرويش الجوال، كان يهيم في العالم، بحثا عن شخص ما، لم يعرفه، بل لم يعرف أنه كان يبحث عنه، ولا كان المبحوث عنه يعلم، لكن زعيما في تكية للدراويش هو من أوحى بالفكرة، أن عالم دين فذا مقدر له أن يلقى درويشا، سيغير الدرويش من مسار حياة هذا العالم، ولكن الدرويش قد لا يعود من بعدها.

كان الرجل المعنى هو جلال الدين الرومي، عالم الدين الرفيع الدرجة، في قونية، وبين بلاد المسلمين، وهو شخصية حقيقة، الشاعر الصوفي الشهير مولانا جلال الدين، والتقى الرجلان، فانبهر الرومي بالتبريزي، ولا ندري بعد سبب هذا، نعم لقد كان للتبريزي، مواقف كان فيها يؤثر في أشخاص آخرين، مثل البغي، والمجذوم، ومريد التصوف الشاب، قد جعلته المؤلفة ساحر الوقع في نفوس من يرونه.

اختلى الرومي والتبريزي أسابيع في مكتبة الرومي، الذي هجر أسرته وعمله كعالم دين وخطيب، ليتحول إلى شاعر ينطق باسم دين العشق، وليصل إلى حد شرب الخمر، لولا أن أخذها من يده التبريزي، وهو الذي أغواه بها، وأخذ رشفة أمامه، ثم إنه علمه الرقص الصوفي، وجعله يخرج إلى الناس على مسرح للرقص، بدلا من منبر الخطاب في المسجد الكبير، حيث كان يجتمع إليه الناس من كل حدب وصوب.

فلماذا انبهر الرومي بالتبريزي، لا ندري، ولماذا عبث الدرويش الذي يبشر بدين الحب لله، بمشاعر فتاة بريئة؟ ولماذا وهو الحكيم الحصيف، الذي يهزم بفكره فكر بلدة بأكملها، لماذا يقبل الزواج بفتاة، أحبته، الحب الذي علمها إياه، بينما هو لا يرى نفسه مؤهلا للزواج وما يستتبعه، بل يقول لنفسه إنه أخطأ، أفهذا خطأ يمر على مثله!

وماذا فعلت الأمريكية اليهودية مع المتصوف المسلم، لما هجرت بيتها معه، إنه قد أوقفها عن الانصياع وراء رغبتها في ممارسة الجنس معه، عندما كانا في حجرته بالفندق، ثم إنه أخذها معه إلى عالمه، لتهجر أطفالا مازالوا في حاجة إليها، فهل تزوجا، أم هما عاشا في دين العشق عشيقين؟ لم نعرف.

في الجملة هي رواية مضطربة، لا يصاحبها المنطق المقنع في كل أجزائها، بل إن لها غرضا، وفي سبيله جعلت كل شيئ ينصاع لسحر شمس، سلبا أو إيجابا، ورغم ازدحام الرواية بأفكار كبيرة، عن الدين والإله، والمعصية والطهر، فأكثر ما كان فيها باديا هو أن مؤلفة الرواية لم تكن على قدر كبر هذه الأفكار، فاحتشدت الأفكار بسذاجة، في أنحاء الرواية، وفي كثير منها لا نجد المعنى، ولا نجد السمو المفترض.

دين العشق

لم يكن هناك إلا غرض واحد، وهو الدعوة لدين العشق، الحب، حب الله كما قال شمس كثيرا، وقال عزيز (المتصوف الأوروبي بعد أن غير اسمه إلى عزيز) ، وجاء في كثير من الحوارات، بينما هو في الحقيقة حب الذات، فباسم الحب، نتبع القلوب إلى ما تريد، فنشرب الخمر، ونحب البغايا، والسكارى، ونهجر الأسر، ونميع المعتقد ليشمل كل البشر، فمادام الكل يتبع الحب، فهم إلى الله صائرون، وهو بالتحديد اتخاذ الهوى إلها، فيخلق كل شخص من هواه معبودا، والظاهر هو أن أهواء البشر جميعا تلتقي، وبالتالي سوف يقودهم دين العشق، إلى أن يحققوا السعادة، فلا يحكم واحد على واحد، ويقف عالم الدين الجليل في قلب الخمارة ليقول للسكارى مبتسما إن من يريد أن يشربها فليشربها، ومن لا يريد فلا يفعل .. ويقوم في قلب المدينة مبغى للدعارة، لكن من فيه أناس نحبهم، ونتمنى الخير لهم، وقد نتمنى أن يعودوا عن الخطيئة، كما نتمنى للسكارى أن يكفوا عن الخمر، ولكن فقط إن هم راحت قلوبهم نحو ذلك، أي إن أحبت قلوبهم الخروج من مستنقعات حياتهم اليومية، ففي دين العشق، العشق هو القاعدة الواحدة، وما الأربعون قاعدة التي مرت إلا اتجاهات الطرق التي نضل معها، نسمعها ونفكر فيها، فلا نفهم، ولا نستنتج أي اتجاه نذهب فيه، لأنها قواعد تستهدف إتاحة المجال للهوى أن يعمل، فالهوى في كل إنسان غير الهوى في غيره، وفي النهاية، لما يتبع الجميع أهواءهم، سيصلون بشكل ما إلى العشق الإنساني، وسيكون عليهم أن يجعلوا اسم الله في كل ما يفعلونه، فالعشق لله وفي الله باسم الله، فيتركوا أحكام الدين لمن يعشقها، أما من لم يعشقها، فيكفيه أن عشق غيرها.

تفكير بسيط بالنسبة لهذا الفكر في الرواية، الذي يبدو أنه كبير بعيد في السماء، لم تكن المؤلفة من المتصوفة لتفهم ما تتحدث عنه غالبا، فقط أرادت ان تقول بالديانة الإبراهيمية، التي يخترعونها من أعوام، وكانت هي التي تحدث عنها جيمي كارتر في أول كتابه عن الشرق الأوسط، فقد ذكر الإسلام والمسيحية واليهودية، وردها إلى أصل واحد، هو ابراهيم عليه السلام، وربما كان كلام جيمي كارتر هو إشارة البدء في إقامة "دين إبراهيم".
وما اسم إبراهيم عليه السلام، إلى لتغطية الحقيقة، إنهم يريدون دينا على هواهم، وتريد المؤلفة نفس الأمر، بدون أن تحارب دينا أو فكرا، بل بأن يكون كل شيئ متداخلا، فكل الناس مع العشق والهوى سيلتقون بالتأكيد.

لا أعلم صحة تلك العلاقة بين الرومي، وبين شمس التبريزي، هل لتلك المقولات المسماة قواعد العشق أصل، أم أن المؤلفة وضعتها، من فهمها لكلام الرومي أو ما قيل عن التبريزي؟ لكني حضرت ندوة أدبية، تحدث فيها الأكاديمي التركي، محمد حقي صوتشين، فمما قاله إن إليف شفق، قد تعاونت مع مترجمة لترجمة الرواية من الإنجليزية، لغتها الأصلية إلى اللغة التركية، وفي النسخة التركية، غيرت الرواية لتجعلها أكثر تصوفا، أي أقرب إلى الطبع التركي، وهو أمر غير متوقع، فإنني لما أقرأ رواية أريد أن أرى ما يراه المؤلف، أما أن يخاطب المؤلف كل شعب بما يريده، فإنه لا يكون أهلا للثقة فيه، ولا لقرائته.
كان الشكل في الرواية جميلا، حكايتان متوازيتان، وفصول كثيرة يروي أشخاص الرواية فيها ما يرونه، كل واحد له دوره في الحكي، أحيانا لنفس الحدث من جوانب متباينة، شكل متميز جذاب، لكن المضمون أقل مما كان متوقعا، فصوفي كبير مثل التبريزي، وعالم جليل مثل الرومي، لابد أن يكونا أكثر وقارا، مما كان في القصة، كما أن الجزء الأكثر أهمية فيها لم يظهر أبدا، وهو تلك الفترة التي قضاها الرومي، مع شمس، منفردين، ماذا قالا، فيما فكرا، كيف تغيرت بينهما الأفكار، لماذا صار الرومي منقادا مخبولا بحب شمس كما قالت القصة، كيف تحولت الأفكار هذا هو الأمر، فإن لم نر هذا الأمر، فإن القصة غير مكتملة، بل إن أقل الأشخاص ظهورا في القصة كان الرومي، وهو الذي من المفترض أن يكون المثال على التحول لدين العشق، باعتباره صوت العشق في كل زمن، كما يقال عنه في هذا الزمن الحالي حتى.

القصة لا تعادي الدين جهرا، وربما ليس سرا، ولكن فيها مرارة من الدين، الذي هو الإسلام، لأنه يقيد الأهواء، تلك هي المسألة، ولأن المؤلفة ولدت وعاشت في الغرب، فإنها تعيش حرة من القيود، وتريد إسقاط هذا على الدين، وضعت الدين الذي على هواها، وتريد أن تصوغه للجميع.

فالزوجة شخصية القصة المعاصرة الرئيسية، ما كان لها أن تسأل ابنتها عن ذلك الفتى الذي قالت تريد الزواج به، ولتترك الحب يحرك ابنتها المراهقة، ولقد فشلت قصة الحب فيما بعد، ورغم موقف الأم المعارض من البنت، فإن البنت التي وجدت الفشل في حبها، كانت هي الداعم لأمها في هروبها من أسرتها، وفي عدم عودتها، فإن الحب هو الذي يجب اتباعه، ولأن في الأمر الحب فطاعة هوى القلب لا يجب أن تتوقف.

والمتصوف المعاصر الذي وجد مع فتاته معنى الإنسانية، والحياة الغنية بقيم العطاء، والقلب المتسع لكل محتاج، والذي تحول للإسلام فيما بعد لما ماتت فتاته - بل للتصوف، وأخذ يطوف العالم، محاولا احتضانه، هو الذي لا يمنع المرأة من أن تهجر أسرتها من أجله، فتترك أطفالا يحتاجونها، لأنها يجب أن تتبع هوى قلبها، فلو وثقت في قلبها، أن هذا هو ما تريده فليكن، وهو أمين، مع هذا، قد أخبرها بمرضه، القاتل، من أجل أن تختار على علم.

هل التصوف هو هذا؟
هل خلقنا الله على صورته؟ كما قال شمس كثيرا، ورددت المؤلفة كثيرا، وما معنى هذا القول أساسا؟ إن الله يقول في القرآن، الذي يبقى المرجع في هذه الرواية، يقول إنه تعالى "ليس كمثله شيئ"، فأنى نكون على صورته؟

هل حقا لا يجوز أن نحكم على أحد؟ فليعص العاصي، وليزن الزاني، وليشرب الخمر من يشرب.. لكن لا يجب أن نتخذ من أيهم موقفا؟

كلام سلس رقيق، ولكنه ليس سليما في الحقيقة، لأن معناه تفسخ المجتمع، سيكون مجتمعا بلا قيم، ولا موجهات لسلوك أفراده، سيسقط المجتمع في وقت ما، لأن الصالحين العصاة، سينضم إليهم الفاسدون في القريب، إذ أن اتباع الهوى للمتعة داء بشري، ومن يقاومه قليل، بينما الأغلبية لن تقاوم، وستجده سهلا متاحا، مألوفا، ممتعا، فلماذا تمتنع عنه؟

وهذا بالضبط حال الغرب الذي يموت (موت الغرب هو اسم كتاب ألفه سياسي أمريكي بارز كان مستشارا لعدة رؤساس أمريكيين اسمه بات بيوكانن"، ويتفسخ، وحقا لقد وصلوا لمرحلة ألا يحكم أحد على أحد، وهي حال مريحة، قد راقتني لما كنت هناك، لكنهم في الغرب، بعد عقود من الحرية المسئولة، تحولوا إلى الحرية اللامسئولة، وتحولوا إلى دركات أخرى، فتصدعت الأسرة، وانتشر الشذوذ، وصار مقدسا، يحاربون من أجله ضد من يرفضه، ولو بالقلب فقط، فلماذا لا يسمحون لصاحب الهوى المناقض للشذوذ أن يتبع هواه في هذا؟

ولأن النفس فيها من الفجور، فإنهم اتخذوا من المسلمين هدفا يهاجمون مقدساتهم، ويضيقون عليهم حياتهم، فيغلقون المساجد، ويمنعون مدارسهم، ويحرمون المرأة فيهم من التستر إن أرادت، فأين منع الحكم على الآخرين، بل إنهم يفعلون هذا باسم حماية قيم المجتمع العلمانية أو المسيحية بحسب الحال، فأين عدم الحكم على الآخرين؟ فالحقيقة أنه دين اخترعوه، ويقدسونه ضد أي دين يخالفه، فما يعلنونه من قيم هي قيم هذا الدين، وهو لا يسع الإنسانية، إلا الإنسانية التي تتبع هذا الدين، فلا حرية في الحقيقة، ولا عشق، ولا يحزنون.

الدين الحق يجعل الإنسان عالميا، يرى نفسه، وغيره، ويرقى ليرى أنه فرد في جماعة، وله في حمايتها دور، ويعلم أن في الجماعة مرض، من الممكن أن يحدث، فهم بشر، وهناك شيطان يعاديهم، وهو له دور في حصار المرض، للقضاء عليه ومنع انتشاره، والفطرة التي فطرنا الله عليه هي ما يجب أن تتوجه إليها أهواؤنا.

التصوف تأمل في حكمة الله، وبلوغ درجات عليا في الفهم، والتعبد لله تعالى، لا أن نضع أنفسنا ندا لله، فنسلك في كونه بما نرى، ونقول إننا نحب الله، ولا نؤذي أحدا.

التصوف هو الدرجات الأعلى في اتباع ما أمر الله به، وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا، هكذا علمنا القرآن، فأني لواحد من البشر أن يقول إنه يعلم من الله ما يرسله الله مع رسله فقط، ولا وحي بعد رسول الله الخاتم، فمن له أن يقرر أنه أن نعصي الله بحب، فلا مشكلة، وإن قال ربنا لا تودوا من حاد الله ورسوله، فمن ذا الذي يقول بل أحببوهم، ومن قال أحبوا العصاة المصرين على خطاياهم، كيف يجتمع حب الله، وحب من خالف أمر الله في قلب سوي؟

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...