الثلاثاء، يناير 17، 2006

السؤال البريء الحائر

نشر هذا المقال في صحيفة شباب مصر في يناير 2006 ، و لقراءته حيث نشر أنظر

http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=view&newsID=3923


كان من حظي أن خصني السادة فوزي فراج و حسن عبد اللطيف بمقالات موجهة لي على صفحات شباب مصر ، أما الأول (النبوات والخوارق والعلم ، من حسن عبد اللطيف قبل أسبوعين ) فقد علقت عليه سريعا في حينه على أمل أن أرد فيما بعد و لكني لم أفعل ، و وجدت أن ذلك التعليق كان كافيا بدرجة ما ، فالأستاذ حسن قد استرجع (إنا لله و إنا إليه راجعون) قبل أن يكتب إلينا ما قال إنه كان رأيا صريحا في قضية السنة ، لكنه أورد رأيا جريئا حقا في معنى النبوة و الأديان ذاتها ، معتبرا إياها حسب ما بدا في كلامه ظروفا و أساليب كانت مطلوبة في مرحلة من تاريخ الإنسان ، وصفها بمرحلة الطفولة كما وصف النبوة بالأم الرحيمة ، و هي مرحلة قد تخطاها البشر بالفعل حسب كلامه ، بما بلغوا من علم و قدرة على الإبداع و الإتيان بالمعجزات باستخدام هذا العلم ، و قد قال بالنص متحدثا عن الإنسان "... كانت رسالة الإسلام هي نهاية عهده بهذه الأم العظيمة ( النبوة ) ، فهو من الآن سيمضى في الدهر وحيدا .. سيصنع معجزاته بنفسه – بالعلم ... يعتمد على عقله المجرب الذي لم يترك خطيئة إلا اقترفها ... سيتعملق في الكون ( كما بدأنا نرى بالفعل اليوم ) .. إنه يخطو نحو اللقاء المرتقب بالله العالمين" ...

و هكذا فظاهر الكلام يقول إن النبوة قد انتهت الحاجة إليها ، و أن الإنسان المعاصر بعقله وحده قادر على تسيير حياته دون حاجة إلى إرشاد ، و قد كان مضمون تعليقي على ذلك المقال ليس أكثر من رد فعل بسبب القراءة ، فعلى الحال قفز إلى ذهني قول الله تعالى "إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" ... و مازلت أجد نفس رد الفعل كلما تذكرت ذلك المقال ، و لكني ، مخلصا ، لا أظن أن الأستاذ حسن عبد اللطيف قد قصد هذا المعنى البعيد الظاهر من الكلام ، أو على الأقل أنا لا أظنه يتحدث بشكل عام و مطلق ... و لكن حتى رغم هذا فقد آلمني مجرد تأمل خطورة هذا الرأي من كاتبه .. و هو من ألطف الأقلام في هذه الصحيفة ...


و قد ذكرني ذلك بكلام دار بيني و بين أحد الأصدقاء المصريين ، قال فيه إن القرآن و الكتب المرسلة عموما قد جاءت في شكل حكايات تناسب البشر في مرحلة ما حتى يتجاوزوا هذه المرحلة ، و كان التعبير الذي استخدمه بالإنجليزية هو أن القرآن مكتوب في شكل "fairy tales" ، أي حواديت أطفال ... و لاشك أن التشابه واضح بين كلام ذلك الصديق و كلام الأستاذ حسن عبد اللطيف ... فهل أقول إن محاولات التشكيك قد بدأت في الاتجاه نحو القرآن ذاته ، بعدما عملت على تشويه تاريخ المسلمين ، و تشويه أئمة الدين ، ثم التشكيك في السنة ، ثم محاولة التخلص منها ؟ فهل قد بدأت المرحلة الفاصلة .. كلا لن أقول ... و إن هذه الفكرة هي ما جعلني لا أستمر في محاولة إعداد ما يصلح ردا على مقال الأستاذ حسن عبد اللطيف ، فأنا لا أعتقد أنه قد قصد أي شيء له صلة بمثل هذه الأفكار ، و مثل هذا التشكيك


و محاولات الهدم هي أشد ما يُتهم به بعض ممن ينحون نحو العلمانية - دون أن أصنف حسن عبد اللطيف بالعلمانية أو الدينية أو غير ذلك – و هناك علاقة وثيقة بين ذلك و بين ذلك السؤال الذي وجهته للأستاذ فوزي فراج تعليقا على قصيدة له ، و إذ أشكره على الاهتمام بالرد ، فإنني بعد قراءة رده يجب أن أقول إني لم أقصد بسؤالي الكلام عن الشعر بالمرة ، إنما قصدت ، و باختصار ، أن أي واحد منا قد يمر بفترات يشعر فيها باليأس ، و كنت أرغب لو أنه يرجع بالنظر إلى ثلاثين سنة مضت فيحدثنا عن تجربته في الانتقال من مصر إلى الولايات المتحدة ، و أظنها تجربة عمر ... إن قصيدته "الشعلة التي انطفئت" تصور حالة تمر بكثير منا في أوقات شتى ، فإذا ما اقترنت باتخاذ قرار بالهجرة إلى عالم آخر فلاشك أن الدروس منه ستكون ذات قيمة ... كان هذا هو ظاهر السؤال ، أما إذا أخذته إلى مستوى أعلى ، و هو ما كنت أشرت إليه أيضا في السؤال ، فإننا كأمة قد نكون في أسوأ حال في سنواتنا الحالية ، إلى حد أننا لا نستطيع أن نتحدث سوية ، كما هو ظاهر في هذه الصحيفة ، و كما بان أكثر ما بان في الأيام الماضية ، في تلك الموقعة التي تمحورت أساسا حول السادة مجدي محرم و مصطفى عبد العال ...


و كل من فوزي فراج و حسن عبد اللطيف قد يحسبان على الطرف الأقرب إلى الاتجاهات العلمانية ، أو على الأقل هكذا احتسبهما الأستاذ محمد عويس في مقاله الأخير "القرآنيون" ، كما قد ذكرهما آخرون باعتبارهما أقرب إلى هذا الاتجاه ، و مرة أخرى أؤكد أنني لا أرغب في تصنيف الناس إلى علمانيين أو غير علمانيين – غير أن هذا التصنيف في ذاته و الظروف المحيطة به كما يتبدى في أسلوب النقاشات و الحوارات في "شباب مصر" يشير إلى درجة من البلبلة ، و الحيرة تأخذ بكثير منا .. و كنت قلت إن الأمة و هي في حال التدهور ، و ربما الانحطاط تعاني أشد ما تعاني من ضعف الثقة بالنفس ، و إن الانبهار بأي شكل آخر من أشكال الحياة التي هي أفضل من حياتنا في بلادنا المبتلاة ، ليس من الحكمة ، لأنه يدفع للتهور و التسرع في الأحكام أحيانا كلما ننظر في أحوالنا و أحوال الآخرين ... ثم هو يقودنا إلى التنازل عن درجات من احترام الذات لا يجوز أن يحدث ، و الأخطر هو أن يؤدي إلى اختلال ثقتنا بأنفسنا و بقيمنا ، و يسرع بنا إلى التيه نبحث يمينا و يسارا عن شكل حياة أفضل ، و كلما نمضي في البحث نفقد المزيد من ذواتنا حتى نصير لا ندري من نحن ..


و رد فعلي أنا الشخصي على حال التدهور التي نعيشها في بلادنا ، هو أن أزداد تمسكا بأصولي ، و أتعامل بحذر مع كل ما هو من الآخرين ، لا من موقع الشك و لكن من منطلق الحرص على ألا أفقد شيئا مما يدخل في تعريف ذاتي ، فإنني أدرك أني في حالة الضعف ، و في حالات الضعف يسهل الخطأ بسبب عدم القدرة على الاختيار أحيانا .... و درجة أخرى من هذا الحذر قد تتمثل في عدم التخلص مما هو قديم في داخلي ، بل ربما أكتسب أشياء و معاني جديدة ، و لكن لا ضرورة لأن يكون اكتساب الجديد سببا للتخلص من القديم .. هذا هو ما أفعله ، فأجدني أنفعل أشد الانفعال بمعجزات الإنسان العلمية ـ كما يفعل حسن عبد اللطيف ، و لا شك فوزي فراج أيضا ، كما أنني أعجب غاية الإعجاب بشكل و نظام حياة الناس في الولايات المتحدة على سبيل المثال ، كما لاشك هما يفعلان ، إلا أنني لا أنظر إلى حال بلادي فأقرر أن من تراثي و موروثاتي ما يمنعني من أحقق مثل هذه الحياة الأفضل ، بل أريد عندما يأخذني الإعجاب بهذه الدرجة أن أكتسب عادات جديدة ، و لكني لا أنظر في نفسي لأبحث عما أتخلص منه في نفسي ، و الذي أراه هو أن فوزي فراج و بدرجة أقل حسن عبد اللطيف يحاولان النظر إلى الماضي بعدم رضا من أجل البحث عما يتخلصان منه حتى يقتربا أكثر من القدرة على تحقيق الحياة الأفضل المتمثلة في أمريكا مثلا.


و كل منا يسعى لنفس الهدف ، بأساليب مختلفة ، بل إن الأساليب تبدو متضادة .. فحسن عبد اللطيف تأمل ما الذي يجري في الكون و وجده بعيدا عن الجو الديني كما نعرفه في بلادنا فافترض أن الدين يمكن أن يتم تحجيمه بدرجة ما .. و كذلك يقول فوزي فراج ... و كلاهما يريد التخفف من جزء - أو كل – مما يسمى السنة لأنها هي سبب في كثير من مشكلاتنا القائمة ، و تخلفنا ، بحسب كلامهما.

أما أنا فلا أجد في الحياة الأفضل في الولايات المتحدة إلا الاجتهاد في العمل و الإتقان ، مع النظام و التعفف عن الفساد و الاستبداد ... فلو أننا في مصر مثلا نجتهد و نتقن و ننظم ما نعمل و لسنا فاسدين و لا نستبد ببعضنا البعض ، لما كانت لدينا مشكلات ... و لا أجد في نفس الوقت أن تراثنا الديني (السنة تحديدا) يعوقني بأي شكل عن تحقيق عوامل النجاح هذه ... و هذا هو فقط محل الخلاف بين من يوصفون بالميول العلمانية و من يوصفون بالميول الدينية ، رغم التحفظات الكثيرة القائمة على هذه التصنيفات.


كان الهدف من سؤالي لفوزي فراج هو بدء حوار ، انطلاقا من تجربة حياته هو إن يكن يسمح بذلك ، بعدما هاجر من مصر ، و أمضي طويلا في الولايات المتحدة ، حتى ارتأى أن يتجه اتجاهه الحالي في البحث عن الحياة الأفضل ، و الذي أسميه تجاوزا العلماني و قد قال هو مرة إنه القرآني ، أما الأستاذ حسن عبد اللطيف فقد طالما وجدته فيما يكتب غير محدود الأفق و لطيف العبارة و الفكرة ، فأرجو أن يجد في كلامي ما يستحق أن يتناوله بالتأمل و الحوار.

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...