الجمعة، أبريل 28، 2006

المزيد من الإرهاب و الطوفان سيأتي




لقد تكررت الانفجارات ... ألم أقل ذلك ، و ليس هذا من الإرهاب الذي يتحدثون عنه ، و لكنه من إرهاب النظام الحاكم في مصر ، و استبداده و فساده ... لا يمكن ألا تكون هناك ردود أفعال ، إن هذا ضد الطبيعة ... سيستغل الظروف عدو من الخارج أو عدو من الداخل ، لا فرق ، فالمجرم الحقيقي هو من أوجد الظروف و حرص بكل ما أوتي أن يبقيها ، لا من استغلها ... لم تكن مصر تغلي هكذا من قبل ، و قبل خمسة و عشرين سنة ، اغتال السادات بعض أفراد من جماعات سرية ، و ما عذب السادات أحد و ما افترى ... أما اليوم فإن المصريين غاضبون ثائرون علانية ، و في كل المستويات ، لا في جماعات خفية ، فأي شيئ يمكن انتظاره في المستقبل القريب؟ .. إن العقول الفطنة يمكنها أن تقرأ الأحداث ، فتستنتج أن حدثا رهيبا لابد أن يكون في الأفق

لا يوجد رئيس قوي ، و لا حكومة قوية ، و لا يوجد رصيد يمكنهم الاعتماد عليه... فعندما سيحل الوقت الرهيب ، لن يبكي عليهم أحد ، و لعل الله أن يرفق بالمصريين

28-04-2006

الثلاثاء، أبريل 25، 2006

انفجارات دهب و ملمح من ملامح الطوفان القادم على مصر


عندما نضغط على البعض حتى يصابوا بالجنون ، فلا يجب أن نعجب إذا ما قاموا بأعمال الجنون ... و ما جرى في دهب هو نتيجة جنون في عقول البعض ممن أصابهم نظام حكم الرئيس مبارك بالجنون ، من بعد اليأس و الإحباط ، و كل مشاعر السلبية من الأمل في المستقبل ، و مع هذا يتساءل البعض لماذا جرى ما جرى .. فإن يستمر هذا التعجب من دون تفكير و نظر لرؤية الواقع ، فإن ما جرى سيجري مرات و مرات قادمة .. فهل سنلوم المجانين أم نلوم من جننوهم؟

الأحد، أبريل 09، 2006

حكمة الله - 8

نشر هذا المقال في شباب مصر في مارس 2006 ، و لقراءته حيث نشر انظر

http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=View&EgyxpID=5124

خليفة في الأرض تعني أن يكون له سلطان في الأرض على ما فيها ، و لكن أنّىَ للإنسان أن تكون له سلطة إلا بإذن الله ، فإنه تعالى مالك الملك ، و إن يأذن لخلق من خلقه أن يسيطر على شيء من الخلق و يمنحه سلطات لهذا فهي الخلافة ، مثلما يستخلف الحاكم أحد تابعيه ليحل محله في غيابه فيمنحه السلطات و يحدد له الحدود أيضا ، لذلك سخر الله للإنسان ما في الأرض جميعا ، و هذا التسخير فيه الإذن للإنسان باستخدام ما يرى مما في الأرض ، و بتغيير ما يحتاج التغيير لتمكن الاستفادة منه ، فالإنسان خليفة يصنع في الأرض ما يشاء في حدود ما قرره الله تعالى له في الرسالات المرسلة ، فالأرض للإنسان على الإطلاق في داخل تلك الحدود ، و لعل إسكان آدم الجنة و هو الخليفة للأرض تمثيل لهذه الخلافة ، فقد قال تعالى لآدم أن يسكن و زوجه الجنة و يأكلا منها حيث شاءا ، فهذا هو الإطلاق في معنى الخلافة ، و لكن هذا اقترن بنهي عن تلك الشجرة ، فهذه الإشارة إلى أن الإطلاق له حدود ، هو درس لآدم و بنيه ليتعلموا ما الذي يجب أن يكون عليه الحال في الأرض ، فإذا ما جاءوا الأرض ، أقاموا فيها خلافتهم على أساس أنها لهم مسخرة لا يحدهم عن استخدامها حد إلا شرع الله المرسل إليهم ، و لقد جربوا من قبل ما في مخالفة شرع الله من عواقب.

و إن المستخلف من قبل حاكم على قوم ، مجيد إذا التزم بالحدود التي حده بها الحاكم ثم أحسن و أبدع في استخدام السلطات مستوحيا ما قد يريده الحاكم ، فكذلك بني أدم عليهم أن يستخدموا السلطات إلى آخر المدي مستلهمين حكمة الله في ما يعملون ، و مستهدين بأوامره و نواهيه ، و لذلك فإن علينا أن نعلم حكمة الله أيضا ، قدر استطاعتنا ، مع علمنا و اتباعنا للأوامر و النواهي بلا جدال ، فباستلهام حكمته تعالى نبدع في الالتزام بالأمر و النهي.

و هنا قد تتبدى لنا إجابة عن سؤال ، و هو السؤال عن الحاجة لأن يكون الإنسان خليفة في الأرض ، لماذا لم يخلقه الله تعالى ليسكن الأرض و السلام؟ ، لماذا جعلنا خلفاء ؟ .. و الإجابة المتبدية هي أن نتعلم أن للإنسان أن يصنع ما يرى ، و بالتالي تصبح كل الأعمال جائزة ، و يكون المنع و التحريم لأمر من الأمور هو الاستثناء ، و يكون غير مبرر طالما لم نتحد حدود الله تعالى ، فإذا كشف العلم عن قدرة الذرة ، أو كشف عن بنية الجينوم البشري ، أوابتدع نظاما لتيسير الحياة ، أو حاول استكشاف المريخ ، أو استنسخ كائنا حيا ، أو ربما صنع ما يمنع الأنثى من الحمل ، أو غير هذا من أعمال و اكتشافات ، فإنه لا بأس به من حيث المبدأ .. و لكن ربما يتغير هذا بمزيد من النظر و التفكير

و لماذا يكون بأس و الإنسان خليفة في الأرض ، قد استخلفه فيها رب العالمين ، و سخرها له و كل ما فيها ، و علمه العلوم ليقوم بهذا ، و إن أمره سبحانه للملائكة بالسجود لآدم جاء بعد ذكر تعليم آدم الأسماء كلها ، فهو بهذا العلم حاز الفضل ، و صار مؤهلا للقيام بالخلافة ، وإن رد الله سبحانه و تعالى على الملائكة كان ذا شقين ، فالأول هو أنه سبحانه يعلم ما لا يعلمون ، و الثاني كان بتعليم آدم ، ثم توجيه الملائكة إلى أن هذا هو الفضل الذي يتميز به بنو البشر ، و الذي يؤهلهم للخلافة ... و إذا كان الله تعالى يعلم ، ثم هو يعلم آدم ، فياله من فضل عظيم ناله آدم و نلناه بالتبعية .. و هو يعني أيضا أن العلم له دور كبير في قيامنا بخلافة الأرض ، و لا يجب بهذا أن يكون له حدود إلا الحدود التي يبينها الله في القرآن.

و ربما يكون من الحدود قوله تعالى إنه لا يعلم الغيب إلا الله ،و إن الروح هي من أمره هو سبحانه ، و أنه هو الذي يحيي و يميت ، و أن البشر لن يخلقوا حتى ذبابة ، و أن هدى الله هو الهدى .... و أيضا قد حذرنا القرآن أن إبليس سيعمل على أن يجعلنا نغير خلق الله ، فهذا أيضا قد يكون حدا من الحدود ... و القرآن معنا لنستلهمه من أجل ألا نجاوز حدود الله .
===
.حتى لآن قد مررنا بالقرآن من أول الفاتحة ، إلى أن وصلنا إلى قصة خلق آدم ، و الدرس البليغ فيها ، و لقد كان ما قبل قصة الخلق و كأنه المقدمة لكتاب ... و الفصل الأول من هذا الكتاب كان قصة بدء الخلق ، و هو بالتأكيد مكان هذه القصة ... و ليس فقط ذلك الدرس الذي يمكن استخلاصه من قصة بدء الخلق ، و هو درس التجربة العملية ، بل إن هناك الكثير من المعاني في هذه الرواية المقتضبة لخلق آدم ، من بينها كما جاء في الحلقات السابقة نقض فكرة النشوء و الارتقاء بالنسبة للبشر ، و من بينها قبل هذا قيمة العقل ، فإن ما ميز آدم على الملائكة كان أن الله قد علمه الأسماء كلها ، و هو مفتاح القيام بخلافة الأرض كما سبق .. هكذا أراد الله أن يمر الناس عمليا بتجربة الانتقال من الجنة إلى الأرض بعد الإثم و المعصية .. ليدركوا أنما يقعون في المعصية عندما لا يتحرون أمر الله و نهيه و حكمته في خلقهم كما خلقهم ، أو في تسييرهم أمور حياتهم كما أراد لهم و ليدركوا ما في طاعة الله من فوز و رشاد ، فيتمثلوا هذا كما ينبغي في قيامهم بالخلافة في هذه الأرض.

و هكذا تم تقديم الكتاب ، بمقدمة مثالية ، جامعة و موجزة ، بل إن الأحداث المروية بعدها ، عن بدء الخلق ، موجزة للغاية ، و سيحوي الكتاب فيما بعد الكثير من التفاصيل ... و هكذا حقا تكون المقدمات ، و يكون السير بالقارئ في سبيل الهدي .... و لكن ماذا عن بداية هذا الأمر ؟! .. فإننا قد رأينا من هذا الفصل الأول من كتاب الله تعالى ، كيف كان بدء خلقنا ، نحن البشر ، و علمنا أن لدينا العقل و القدرة على التعلم ، و أننا مكلفون بمهمة هي الخلافة في الأرض ، فهل يكفي هذا؟ .. لا يبدو أنه يكفي ... فقد جاء أمر الله بنزول آدم للأرض التي قد خلق لها و معه بعض من التوجيهات ، فأولا كان أمر النزول لآدم و لإبليس و معه الإعلام بالعداوة التي ستكون بينهما ، و هذا في الحقيقة هو بدء الصراع بين الخير و الشر ، و هو مصدر الإلهام لأكثر أعمال البشر في الأدب و الإبداع و الفلسفات و غيرها ، بل إن هذا هو بدء الصراع أساسا في تاريخ البشرية ، قد بدأ مع نزولنا الأرض ، بل قد كان هناك يتشكل قبل النزول ، و لم ننتبه (أعني آدم) إلا بعد خسران أول معركة فيه ..

و إن هذا ليوحي إلينا أن الصراع ليس هدفه في الحقيقة أن ننتصر على الشر لنكون سعداء في حياتنا ، ذلك أن مدار الصراع هو أوامر الله و نواهيه .. فنحن مكلفون بمراعاتها ، بينما إبليس يعمل على أن نخالفها ، فالفوز لنا كلما كنا ملتزمين بها ، و الهزيمة كلما خالفنا إحداها .. تلك هي المسألة.

و قد كان بعد النزول أن تاب الله على آدم ، و ليس قبله ، فإن التوبة تحتاج عملا و إثباتا للرغبة فيها و النية في الانصلاح .. و بعد التوبة يكون أقوى تأثيرا أن يخبر الله آدم و زوجه و بنيه ، بالأمر ، و الأمر هو أمر هذه الرسالة - الدين - هذه الدعوة إلى الله ، التي جاء بها الرسول بعد الرسول ، و إنه حقا لسؤال ، كيف بدأ هذا ؟ و المكان الأمثل للإجابة لن يكون إلا هنا ، في بداية الكتاب ، و مباشرة بعد ذكر الحدث الأول في تاريخ البشر ، فمع هذا الحدث الأول بدأ الأمر ، إذ يقول تعالى:

"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)"

فتلك هي البداية ، فعندما قضى الله أن حان الوقت ، أن تهبطوا ، جميعا ، آدم و زوجه و بنو آدم ، و معهم الشيطان عدوهم ، بعدما عرفوا مدى عداوته بالتجربة – حان وقت هبوطهم إلى الأرض ، فقد أخبر الله تعالى أن لهم مستقرا فيها إلى حين ، أي أنهم عائدون إلى ربهم ، و لكن يخبر الله تعالى أيضا أن من تصله دعوة الله فيتبعها ، فلا خوف عليهم ، و من لا يتبعها فهم خالدون في النار ، و هذا هو الأمر ، فالآن يهبط آدم و من معه ، لينتظروا داعي الله تعالى ، من أجل أن يتبعوه ، ليعودوا إلى الجنة التي قد عرفوا و جربوا من قبل ..فالخلافة في الأرض إذن ليست سلطات و قدرات و حسب ، بل مسئولية تحري الهدى في خلال القيام بهذه الخلافة ، و معايشة هذا الصراع الذي بدء مع بدء الخلق و لن ينتهي إلا بنهاية الحياة على الأرض .. فلا يجب أن نفرح كثيرا بهذه الخلافة لأنها تأتي مع كثير من الهموم العظيمة ..

فآدم قد نزل إلى الأرض ، و بدأ ينتظر رسولا من الله .. و في إطار هذا ، يعلم قارئ القرآن ، قيمة ما يقرأ ، إنه القول الفصل ، و كلمة الله تعالى الأخيرة ، في دعوة البشر ، تلك التي ينتظرها البشر منذ آدم.

إن قصة خلق آدم ، و إسكانه الجنة ، و كبر إبليس عن السجود مذكورة مرات عدة في القرآن ، و هذه المرة الأولى لها أغراض محددة ، كما أن لكل مرة أخرى أغراض أخرى تناسب موضعها ، ففي هذه السورة الأولى كان الغرض الأول هو توضيح كيف بدء الأمر ، أمر الدين ، و خلافة الإنسان في الأرض ، فلقد أراد الله تعالى خلق خليفة في الأرض ، و قد ميز سبحانه هذا المخلوق بالعلم ، و كان هذا وحده الرد على الملائكة ، و الآن الأمر يبدأ ، فبعد الخلق و التعليم ، إشارة سريعة إلى عداوة إبليس ، و سبب العداوة قد أشير إليه من قبل ، و أما الغرض فهو تعليم بني آدم بأنهم نازلون الأرض ، لينتظروا الهدي من الله ، و قد عرفوا سبب الحاجة إليه ، ألا و هي وجود إبليس معهم ، كما و قد جربوا ما في المعصية من خطر ، و منذ ذلك النزول بدأ أمر الدين ، و هو مستمر إلى يوم الساعة ، و نحن الآن في الجيل الحالي من البشرية ، نحن الذين علينا تمثل هذا و فهمه جيدا.

بدء العهد الجديد في تاريخ البشرية

و تم تقديم الكتاب ، و الدعوة و المتلقين ، و تم الإعلام بأصل هذا الأمر ، و ستمضي السورة الكريمة الآن إلى ما ستمضي إليه ، فتتناول الكثير ، من الأمور ، تتنقل من أمر لأمر ، بسرعة كبيرة ، و كل الحكايات الواردة فيها مختصرة ، كما أن الأحكام كثيرة ، و متنوعة .. فالسورة شاملة عامة ، هي فسطاط القرآن كما وصفت ، تضع معالم رئيسية ، لنظام حياة البشر ، تورد كما من الأحكام و القوانين ، المتتالية ، المتنوعة ، التي قد لا نستطيع أن نضعها في إطار ما ، إلا إطار ملامح الدنيا التي يجب أن تكون .. أو لنقل تلك ملامح دين الله الذي اختاره ، تعالى ، لعباده ، إن سورة البقرة فيها بناء الإسلام ، فيها الهيكل الذي يتسع ليشمل كل شيء من الدين مما سيلي في بقية القرآن .. إنها مقدمة لأمر كبير ، مقدمة لدستور الحياة ، و يستطيع القارئ أن يدرك أن هذه السورة فعلا هي الفصل الأول من كتاب كريم .

و هذا العهد الجديد هو عهد الإسلام ، و كلمة الله الخاتمة ، و الراية ينزعها الله من قوم لم يحفظوها ، و ينعم بها على قوم آخرين ، جيل جديد من المؤمنين ، يتسمون باسم المسلمين كما سماهم أبوهم ابراهيم من قبل ، لا يتخذون لأنفسهم اسم قبيلة من القبائل و لا اسم بلد من البلاد و لا اسم إنسان من بني البشر ..

و من أجل التقديم لهذا العهد الجديد ، لابد من النظرة في العهد القديم ، و لذا فسورة البقرة بعد الحكاية السريعة الغنية بالدروس لقصة بدء الخلق ، تبدأ في ذكر بني إسرائيل ، و هم الذين من الله عليهم بكتبه و رسله فلم يحفظوها ، و ليس المعني ببني إسرائيل هنا اليهود و حسب ، فإن عيسى عليه السلام كان رسولا لبني إسرائيل .. و من رحمة الله ، أنه سبحانه أول ما يذكر أهل هذا العهد السابق ، ليكون في ذكرهم العبرة و العظة لأهل العهد الجديد ، فإنه تعالى يبدأ فيدعوهم للإيمان ، لألا تكون لهم حجة عندما لا يؤمنون ، و هو تعالى أعلم بقلوبهم ، و لكنه جلا و علا ، حكيم لطيف ، يقول تعالى:

"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)"

و عهد الله هو التزام دينه الذي ارتضى الذي يأتي به نبيه الخاتم ، و هو العهد المأخوذ على بني إسرائيل ، أخذه الله عليهم عندما أنعم عليهم و فضلهم دون بقية الخلق بكتبه و رسله مدى الأجيال ، و كان من مما تضمنه العهد أن يتبعوا محمدا صلى الله عليه و سلم حين يرسل إليه ... إن إمكانية التفضيل لم تنتزع من بني إسرائيل ، لأنه لا يبدل القول لدى الله تعالى ، و لكنهم لم يفوا بما عليهم ... و الشرط ما زال قائما ، و لو تخيلناهم الآن قد تحولوا إلى الإسلام ، و أخلصوا فيه لله ، ألن يكونوا متميزين ، فقد عايشوا الأنبياء حقبا طويلة أكثر من أي شعب آخر ، قد اختارهم الله تعالى لذلك ، و لو كانوا اتبعوا رسول الله منذ البدء لصاروا الآن قادة البشرية ، و لكنهم لم يفعلوا ، و قد علم الله قلوبهم ، و لذا انتزع منهم الراية ، و مع ذلك يبقى العهد قائما ، فإنوا أسلموا و أخلصوا لله ، نالوا ما وعدوا ، و الآية تقول لهم "أوفوا بعهدي أوف بعهدكم" ، و الشرط قائم إلى يوم الدين ، و لكن الله أعلم بهم.

و لأن هذا عهد جديد في تاريخ البشرية ، تنتقل فيه كلمة الله من بين أيدي بني إسرائيل ، إلى بني إسماعيل ، فإنه لابد من النظر في العهد السابق ، عهد بني إسرائيل ، و لكن السورة في هذه المرحلة لا تروي قصة بني إسرائيل ، إنما تروي شذرات و فصول متفرقة ، و نتف مما كانوا يصنعون ، و بدون المزيد من التفاصيل ، و قد بدأ هذا مع الآية 40 أعلاه ، و استمر حتى قرب منتصف سورة البقرة ، في رحلة طويلة ثرية بالدروس و الحكم و العبر ، التي يجب على المؤمنين في العهد الجديد أن يعوها تمام الوعي ، ليقوموا بالأمانة ..

و تستمر هذه الرحلة حتى الآية 134 التي تقول:"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)" و هذه بجلاء تمييز العهد المنقضي من العهد الجديد ، و ليس هذا فحسب ، فهذا التمييز يتأكد عندما يكرر الله تعالى الآية بنفس كلماتها مرة أخرى في آية 141:"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)" ... نفس الآية تماما ، بلا زيادة أو نقصان ، أما ما بين التكرارين فهو المبدأ الذي يجب أن يعتمده المسلمون ممن سبقهم من أهل الكتاب ممن رفض اتباع محمد صلى الله عليه و سلم ، فيقول تعالى موجها المسلمين عما يقول به اليهود و النصارى ، و عما يجب على المسلمين قوله و فعله:

"وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)"

و بهذا فقد تم نقل الراية من عهد إلى عهد ، بعدما علمنا كيف بدء أمر هذا الدين و بدء خلقنا و وجودنا على هذه الأرض .. و كيف نفعل مع من سبقوا ، أما ما يلي في النصف الثاني من سورة البقرة فهو رسم ملامح الدين الخاتم ، و لا عجب بعد هذا و بهذا أن أول آية في هذا النصف الثاني تقول: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)" ... نعم .. إنه التحول من القبلة في بيت المقدس إلى مكة .. أليس هذا هو الإعلام بأن العهد الجديد قد بدء.

حكمة الله - 7

نشر هذا المقال في شباب مصر في مارس 2006 ، و لقرائته حيث نشر انظر

http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=View&EgyxpID=5097

منذ بضعة أسابيع كتبت بعض الكتابات التي نشرتها شباب مصر ، كان ما فيها تتبعا للقرآن الكريم بترتيبه القائم ، و كنت وصلت إلى كتابة ست حلقات ، كان أخرها عن استخدام العقول في إطار التفكير المنظومي الذي يسعى ليرى الصورة الكاملة للحياة التي نعيشها في هذا الكون ، و لكن حتى و إن حاولنا التفكر في إطار أفضل الأطر ، فإنه يبقى هناك شيئ ، على الأقل تبقى هناك حدود هذا الإطار ، و أرجو ن يكون ما يلي إضافة لما سبق ...

لو أن استخدام العقل يصل بنا إلى اكتشاف وجود الله تعالى ، كخالق للكون بما فيه نحن من البشر ، لاغتر أصحابه به ، و رفضوا دعوة الرسل إلا أن يحكموا عليها بهذا العقل ، فيكون القبول أو الرفض قرارا عقليا و حسب ، و لا داعي للتذكير بالهوى في مثل هذه الحال ، الهوى الذي يستعبد الكثير من البشر ، فسوف يمنع الهوى هؤلاء من الإيمان ، كبرا ، أو رغبة في متع الدنيا ، أو انسياقا وراء قدرات عقولهم ، و كأنهم خلقوا عقولهم هذه أو حتى تخيروها ، و إن هذا لحادث في أنحاء الأرض من حولنا ، و المثال الأكبر هو العلمانية ، التي يريد بها الناس أن يقرروا دور الدين ، فيجعلوا له عملا هنا ، و لكنه ممنوع هناك ، بل و يقننون من القوانين ، ما يعاقب من يتكلم عن الدين حيث قد قرر البشر أصحاب العقول ، أن الدين ممنوع .

ما هذا إلا الكبر و الغرور ، و الهوى و الشياطين عاملون ، لقد خلد ناس الفلاسفة ، و بتخليدهم ظنوا أن العقل هو كل ما يحتاجونه ، و اتخذوه معتمدهم ، و ساروا في الدنيا مطمئنين به ، و إن هذا ليستدعي قول الله تعالى "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" ، لأن هؤلاء قد اطمأنوا بذكر عقولهم.

أما إذا كان العقل يعمل ، ليذكرنا بالفطرة التي فطرنا عليها ، فلن نغتر به ، و سيبقى مبجلا لدوره في اهتدائنا ، هذا الدور الذي قدره الله ، و الذي علمنا إياه في القرآن ، في قصتي إبراهيم و محمد عليهما الصلاة و السلام ، ثم إن هذا الدور سيستمر في مسيرتنا اتباعا لرسل الله ، و إن الإسلام الذي هو الدين عند الله ، قائم على العقل ، و يخاطب الفطرة ، و لن نحسنه إلا بأن نعبد الله كأننا نراه ، و هذا غير ممكن إلا عقلا ، كما و أن الإيمان بالله سيدفعنا إلى العمل لنحسن قيامنا بالخلافة في الأرض ، فكيف نكون الخلفاء ، ما لم نستغل ما سخر الله ، إن من الإيمان بالله أن نقبل و نأخذ ما سخر لنا لنستخدمه لعمارة هذه الأرض ، تحقيقا لمعنى الخلافة ، أنى لنا أن نفعل هذا ، إلا باستخدام عقولنا ، و هي ذاتها خلق من خلق الله ، نحن مكلفون باستخدامه.

ثم إننا أمة آخر الرسل ، فصارت الدعوة إلى الله بين أيدينا ، واجبة علينا ، فكيف سندعو الناس ، ما لم نخاطب فيهم الفطرة ، و أنى لهم أن يعلموا بالفطرة إلا بالنظر فيما نقوله لهم ، و ندعوهم إليه من تأمل في خلق الله ، إن التأمل في عظمة الخلق يوصل (يُذكِّر) بعظمة الخالق ، فتتم رؤية الله تعالى بالعقل.

هناك فرق كبير بين الظن أننا اكتشفنا وجود الله تعالى ، و بين القول بأننا تذكرنا علمنا بوجود الله تعالى عندما تذكرنا الفطرة ، إن التذكر يمنع الكبر ، بينما الاكتشاف قد يدفع إلى الكبر ، و الكبر باب إبليس إلينا.

دفعت الفطرة البعض من البشر للتفكر أكثر من غيرهم ، و هكذا بدأ تفلسف الفلاسفة ، فاستخدموا العقل ، و ظنوا أنه أداتهم الكافية ، و لكن هل العقل يكفي ؟ ... كلا ، إن له دورا و لكن ليس له كل الدور ، و لقد قال أبو حامد الغزالي "من يحاول أن يعرف الله بعقله كمن يحاول أن يزن الجبل بميزان الذهب" ، بما يعني أنها محاولة غير ممكنة ، و لكن التشبيه بليغ ، فالأداة ، و هي الميزان ، هي الأداة الصحيحة ، إنما الاستخدام خاطئ ، فلا سبيل إلا برحمة الله و هدايته ، و لو كان استخدام العقل كافيا لاهتدى إبراهيم عليه السلام وحده ، و كذلك لاهتدى محمد صلى الله عليه و سلم وحده ، بينما الله تعالى يقول له "و وجدك ضالا فهدى" ، و لقد حسم الله تعالى هذا الأمر بالقول "و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ، فنحن إذن لا يجب أن نظن أن عقولنا وحدها كافية ، إلا أننا يجب علينا استخدام عقولنا ، لنحاول أن نتذكر ، قال تعالى في سورة السجدة ، مستحثا الناس على التذكر:"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ 4 " .. فلابد أنه تعالي قد علم البشر أنه تعالى هو الخالق ، و أن هناك حسابا بعد حين ، و أنه هو وحده الولي و الشفيع ذو الرحمة ، لا إله إلا هو ، و هو سبحانه يقول لهم الآن ألا تتذكرون كل هذا ... و التذكر هنا معناه التأمل فيما يقوله الرسول ، و البحث في داخل النفس عن الفطرة التي تصدق ما يقوله الرسول ، إنه يذكرنا بما نعلم ، فهلا نظرنا في أنفسنا لنعلم أنا نعلم ...

روى ابن كثير أنه في السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه لما خرج هو و جماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قالت له اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله ، فقال: أنا من غضب الله أفر ، و قالت له النصارى إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله ، فقال لا أستطيعه ، فاستمر على فطرته و جانب عبادة الأوثان و دين المشركين و لم يدخل مع أحد من اليهود و لا النصارى ، و أما أصحابه فتنصروا و دخلوا في دين النصرانية لأنهم وجدوه أقرب من دين اليهود إذ ذك ، و كان منهم ورقة بن نوفل.

لعل هذا هو السبيل الأكثر فائدة لدعوة الناس إلى الإسلام ، بتخليصهم من الران ، و مساعدتهم على رؤية أنفسهم بغير آثار الدنيا عليها ، و عندها سيمكن بيسر أن يقبلوا تعاليم الإسلام ، لأنها هي ما في داخل كل منهم ، و ربما كان هذا هو السبب في إسلام الناس بعض العصور السابقة من مجرد مجاورتهم للمسلمين ، إذ كانوا يرون سلوكا تميل إليه النفس ، لأنها تعرفه من قبل ... يحتاج الأمر دراسات في علم النفس من أجل تخليص الناس مما يحكم سلوكياتهم ، مما يحاولون تفسيره بنظريات فرويد و غيره ، لابد من وضع النظريات و صوغ الأساليب من أجل العمل على تذكير الناس بالفطرة ، لإعدادهم لتقبل دعوة الله إلى الإيمان به.

قصة إبراهيم عليه السلام

تروي سورة الأنعام قصة نظر إبراهيم في الكون من حوله في الآيات التالية:

"وَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (74) وَ كَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَ جَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضَ حَنِيفاً وَ مَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79)"

فالقصة تبدأ بعدم اقتناعه بما يعبده قومه ، و لكنه لم يعرف البديل ، إلا أن الفطرة في داخله تعمل فتصده عما يعملون ، ثم يقول تعالى "و كذلك نري ..... الموقنين " ، كأن الله تعالى يريه الكون من حوله ليتأكد أن ما يجده في نفسه صحيح ، و أن الله لا يمكن أن تمثله تلك الأصنام ، فلما رأي الكوكب استكبره و استعظمه ، و لكن الكوكب يتغير حاله ، و الله تعالى لا يليق به التغير ، فكيف عرف إبراهيم أن الله لا يليق به التغير إلا بفطرته .. و كذا كان حال القمر و الشمس ، فلا يمكن أن يكونا ما يبحث عنه ، فماذا كان رد فعله بعد تأمله ؟ .. لقد كان أن علم أن الله أكبر من الشمس و القمر ، و أكبر من كل هذا الكون العظيم ، و هو لا يتبدل أو يتغير ، فكأنها ما وصل إليه الفلاسفة الأوائل من نتائج – لقد كانت الشمس الاختبار الأخير ، فلما أفلت هذه الشمس أيقن إبراهيم أن الله واحد ليس كمثله شيء ، فإن تكن هذه الشمس العظيمة يتبدل حالها ، فكم يكون عظيما خالقها و مسيرها في مسارها ، بل هو خالق كل شيء ، الذي فطر السماوات و الأرض ، فقرر إبراهيم على هذا أن ما يفعله قومه ضلال في ضلال ، و أسلم أمره لفاطر السماوات و الأرض و رجا أن يهديه الله ، و قد هداه الله تعالى برحمته.إلا أن هناك تفسيرا آخر ، فقد قال ابن كثير إن ابراهيم كان يناظر قومه في هذه الآيات ، و قال الطاهر ابن عاشور إن ابراهيم "أراد استدراج قومه فابتدأ بإظهار أنه لا يرى تعدد الآلهة ليصل بهم إلى التوحيد و استبقى واحدا من معبوداتهم ففرض استحقاقه الألوهية كيلا ينفروا من الإصغاء إلى استدلاله" ، و قال سيد قطب إن إبراهيم بهذا "كان يقيم الحجة على قومه حول الوحدانية و ينقض ألهوية غير الله" ، فهو قد هداه الله من قبل ، و لكن ليهدي قومه أخذهم إلى النظر و التأمل في خلق الله ، أراد أن يجعلهم يفكرون ، ليعلموا ما في داخلهم من فطرة ، فيكون من السهل عليهم تقبل ما يدعوهم إليه.

و هذا التفسير الثاني لا يناقض الأول ، بل إنه لأقوى في الدلالة ، إننا نرى ابراهيم عليه السلام معلما ، يقود قومه إلى الهدي بإقناع عقولهم ، بتشغيل هذه العقول فيما هي مؤهلة له ، و هو النظر في خلق الله ، فإذا ما رأت دلائل الوحدانية و الربوبية ، صار قبول الدعوة سهلا إذ لما أن يتم الكشف عن الفطرة ، و إزالة ما علاها من ران ، تكون الدعوة أكثر تأثيرا.إن إبراهيم عليه السلام لم يفعل ما فعله فلاسفة الإغريق ، فيعتمد على عقله للهداية بل أيقن أنه غير قادر على هداية نفسه بنفسه ، و قرر أنه لإن لم يهده الله فسيكونن من الضالين ، أو أنه قد هداه الله من قبل ، فلما أراد أن يهدي قومه ، أخذهم إلى استخدام عقولهم ، و حاول تذكيرهم ، لم يخبرهم بما يعلمه ، و لكن سار بهم في طريق الوصول إلى العلم ، و هذا طريق يبدأ بالنظر و التأمل ، ثم يسير تحت قيادة رسول من الله.

محمد صلى الله عليه و سلم في الغار

و تروي لنا سيرة رسولنا الكريم ، صلى الله عليه و سلم أنه كان يمضي شهر رمضان يتحنث ، في غار حراء ، و ما ذلك إلا نفس ما كان مع أبيه إبراهيم عليهما السلام ، التأمل في ملكوت السموات و الأرض ، إلا أن القرآن لم يحدثنا إلا بآية واحدة عن هذا ، في سورة الضحى: و وجدك ضلا فهدى"..و ما الضلال إلا البحث ، فالفطرة دفعته صلى الله عليه و سلم و الله هداه و اصطفاه ، فما كان منه إلا أن تأمل في السماوات و الأرض ، لعله أن يهتدي إلى ما هو حق ، بعدما قد حال الله بينه و بين ما يصنع قومه ، و هو لم يهتد إلا أن هداه الله ، بالوحي ، لا بعقله و حسب ، و لكن البحث يبدأ بالعقل ، و الهدى هدى الله ، قد كان محمد كريما عند ربه ليهديه كما هدى ابراهيم من قبل ، و لكنه لأنه الرسول الخاتم الذي ستبدأ رسالته بأمر " اقرأ " ، و الذي معجزته كتاب ، فقد علمه الله تعالى بالتجربة ، فقدر له أن يتفكر ، و فينقطع شهرا عن الدنيا متأملا ، باحثا عن الفطرة في داخله ، صلى الله عليه و سلم ، و ياله من إكرام ، قد كان ابراهيم معلم قومه ، و لكن محمدا كان الله معلمه ، ليعلم الدنيا كلها فيما بعد.

و قد صور القرآن حال ابراهيم ، و تدرج نظره في الكون ، بينما ليس في القرآن وصف لحال محمد صلى الله عليه و سلم ، ليس هناك ما يشير إلى كيف نفر مما كان يصنع المكيون ، و لا إلى ما كان يبغيه من اعتكافه ، ليس هناك أي وصف لما كان يدور في رأسه صلى الله عليه و سلم ، ليس إلا تلك الآية الموجزة " و وجدك ضالا فهدى" ، فليكن أي ضلال يمكن أن تخترعه عقول البشر ، و لسوف يكون طريق الهدى واحدا فقط.

من سورة الغاشية

سورة الغاشية بأكملها تلخص هذه الحال ، تلخص كيفية الاهتداء إلى صراط الله المستقيم ، و دور العقل في هذا ، السورة مقسمة إلى أقسام ثلاثة ، فالأول فيه المصير ، و هو إما الجنة و إما النار:

"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً (4) تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَ أَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَ نَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَ زَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)"


و الثاني فيه دور العقل في الاهتداء إلى هذا المصير ، إما جنة و إما نار:

"أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَ إِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَ إِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَ إِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)"

فدور العقل هو التفكر و التأمل ، في كل المخلوقات ، في السماء و في الأرض و فيما بينهما ، لأن هذا هو ما يرشد إلى الله تعالى و يساعد على التجاوب مع إيحاءات الفطرة التي في داخلنا ، و بالتالي إعداد النفس لتقبل دعوة الرسل ، و تحسس مواقع الزلل ، و هي ما لا يتناسب مع هذه الفطرة ، و هذا كان هو ما فعله إبراهيم و محمد عليهما الصلاة و السلام ، و ما حاوله المفكرون و الفلاسفة على مر العصور بدرجات متفاوتة من النجاح أو الضلال ، أما ما بعد التفكر و الاستعداد فهو الاستماع للرسول ، الذي سيبلغنا رسالة ربنا إلينا ، لنعلم كنه هذه الفطرة ، و لنتذكر كيف كانت ، و علام احتوت ، و هنا يأتي الجزء الثالث من السورة يقول مخاطبا رسول الله عليه الصلاة و السلام ، و موضحا أيضا دور الرسول:

" فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)"

ما عليه إلا هذا ، و الله من ورائه ناصره و معينه ، و من شاء فليتبع الرسول و من أبى فله شأنه مع الله تعالى ، و الله سبحانه و تعالى يحذر في ختام هذا الجزء الأخير من لسورة ، فليس إرسال الرسول من الله ليكون لنا أن نقبل أو نرفض ، فالطاعة هي الواجبة بحكم الفطرة السليمة ، و لكن من يصر فإن التحذير له ، فليس الرسول بمكره أحدا على اتباعه و لكن من لا يتبعه فله من الله العذاب الأكبر ، و لن يحاسبه و يعاقبه إلا الله تعالى:

"فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)" ... فليفكر صاحب العقل الآن هل يستطيع احتمال هذا ...

و من روعة التعبير القرأني استخدام لفظ الغاشية فالسورة ترهب الناس من الساعة القادمة التي ستغشى عقولهم فلا يدرون ما يفعلون ، فلن تنفعهم تلك العقول ، لن ينفع إلى ما خلقه الله فيهم من فطرة ، و لن يحميهم إلا أن يتبعوا الرسول المرسل من عند الله ، و سبب وقوعهم في ذلك هو أنهم قد استمرأوا أن يغشى على عقولهم و أن يعلو الران على قلوبهم في هذه الدنيا ، فينكرون الله الذي هم يعرفونه ، و لا يذكرون شهادتهم على أنفسهم بأنه ربهم ، و ذلك رغم الآيات من حولهم في السماء و الأرض ، و رغم الرسول بلغ الأمانة و أداها

.إن الله قد أعد كل شئ ليهدي إليه بدءا بخواطر النفوس و انتهاءً بإرسال الرسل ، و بالأرض المليئة بالآيات ، و بالسموات و المجرات ..... ولا ننسى أيضا الحكمة البالغة في نزول آدم الأرض بعد مكوثه بالجنة ، هذه وحدها تكفي رادعا عن المعصية ناهيك عن الكفر .. لو أننا نتذكر.

خلق البشر

لقد وصل بنا الحديث القرآني حتى الآن إلى أول ذكر لقصة خلق آدم في سورة البقرة ، إذ بعد التقديم الذي مر بنا ، نجد بدأ خلق آدم و هو أول حدث في تاريخ البشر ، فهذا إذن محله في كتاب الله الذي نقرأه ، و بجانب رواية ذلك الحدث ذلك نجد الحكمة البليغة التي لو وعاها أحد ، ما استطاع شيطان إليه من سبيل ، و هي بينة تماما لا غموض فيها ، تدحض حجج كل مكابر لم يتعظ بتاريخ الفلسفة : إلا إنها التجربة العملية.

أراد ربنا أن يخلق البشر ، أراد الله جلت حكمته أن يخلق كائنا لعمارة كوكب هو كوكب الأرض ، و إقامة الحياة فيه عبادة لله سبحانه و تعالى ، و كان المخلوق آدم ، خلقه الله من الطين ثم جعل فيه الروح و العقل و بقية الحواس ، و أسكنه الجنة مع حواء التي خلقها منه و جعلها زوجا له يسكن إليها.و كان الله سبحانه و تعالى قد أعلن ملائكته بذلك المخلوق فأبدوا الدهشة مما سيأتي به المخلوق الأرضي من شرور ، و رد الله سبحانه قولهم بأنه يعلم ما لا يعلمون ، و قد لا يكون هذا ردا على سؤال إنما هو يصلح كختام لحوار ، فقد يخبر الله الملائكة بالخليفة الذي سيتولى شأن عمارة الأرض ، و يبين لهم صفاته كأن يكون له العقل و الإرادة اللذين يكون بهما قادرا على الاختيار و أن من البشر من سيختار الكفر و يسبب في الأرض المفاسد و الشرور ، و قد أثار هذا الملائكة الذين لا يمكنهم تصور أن يكفر مخلوق و يجحد خالقه ، و لذا يبدو في سؤالهم العجب و الحيرة : " أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء " ..

وفي آية أخرى من سورة أخرى يقول إبليس لله تعالي "قال أنظرني إلى يوم يبعثون .. " أي أن إبليس يعلم بالبعث ، فلابد أن الله تعالى أخبر الملائكة و من معهم بحال البشر ، و ما سيقع لهم و منهم و من هنا كان تعجبهم ... و لكن الرد حاسم للملائكة و لنا أيضا : " قال إني أعلم ما لا تعلمون ". .. و أراد الله أن يكون نزول آدم الأرض بعد زلة يقع فيها ، و كأن زلته هي السبب رغم أن نزوله كان مقدرا و لهذا خلقه الله " .... إني جاعل في الأرض خليفة ..." و " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا " ... فقد خلقنا من أجل الأرض و خلق الأرض من أجلنا ، فما الحكمة كون النزول للأرض مرتبطا بهذه الحادثة؟ ..

الحكمة الأولى

لعل الحكمة هي أن يدرك آدم و يعرف حقا ضرورة طاعة الله و يجرب بالفعل ما يكون في المعصية .. يجرب بالفعل عقاب الله على المعصية ، و إن لم يعلم من قبل لماذا نهي عن الشجرة ، و لعلها فقط كانت محل الدرس ، أما ما يحتاج المعرفة فهو أن طاعة الله واجبة بلا جدال ، فإذا سئل آدم من بعدها : ألله مستحق للعبادة ؟ .. سيكون رده من واقع ما رأى من نعيم الجنة و لطف الله و رحمته التي بهما أعد لخلقه ما أعد من نعم تنتظرهم في جنته .. سيكون رده قائما على مقارنته بين نعيم الجنة و شقاء الأرض بناء على أنه قد أخرج من الجنة إلى هذا الشقاء بعد معصية ، و سوف لن يستطيع شيطان أن يغوي آدم عن عبادة الله بعدما جرب أن يمد يده إلى ما نهي عنه و عوقب ، إنه ليس الترهيب من عقاب الله و حسب ، و لكنه رأى بعينه و جرب النعيم و جرب العقاب ، تجربة عملية ..

و لعل في هذا الفهم لحادثة الأكل من الشجرة ، ردا مناسبا يضاف إلى ما قاله ابن كثير في البداية و النهاية عندما أورد حديث احتجاج آدم وموسى عليهما السلام ، و في هذا الحديث المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "حاج موسى آدم عليهما السلام ، فقال له أنت الذي أخرجت الناس بذنبك من الجنة و أشقيتهم ، قال آدم يا موسى ، أنت الذي اصطفاك الله برسالاته و بكلامه ، أتلومني على أمر قد كتبه الله على قبل أن يخلقني ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحج آدم موسى" ، و لكن ابن كثير قد نبه من أن هناك من استغل هذا الحديث بحيث يمكن أن كل مجرم أو مذنب قد يحتج به على أن الذنب و الإثم قد كتبا و قدرا عليه من قبل ، فلا يكون ملوما بإثمه و لا يكون عليه من قصاص أو عقاب ، الأمر الذي يفضي إلى لوازم فظيعة ، كما قال ابن كثير ، و قد قال أيضا إن العلماء قد قالوا ردا على هذا ، بأن جواب آدم إنما كان احتجاجا بالقدر على المصيبة لا على المعصية ، أي أن آدم قد اعترف أنه قد عصى الله سبحانه و تعالى ، و قد تاب الله عليه و اجتباه ، و هذه حادثة ، أما نزول الأرض فهو حادثة أخرى ، فهو مقدر و ليس بسبب المعصية و لا يلام آدم على أن الله قد خلقه للأرض ، فقد كان هو الغرض من خلقه ، و آدم لم يقل إنه غير ملوم في معصيته بل قد أقر و طاب المغفرة من الله و نالها ، و قد تاب عليه الله تعالى بنص الآية "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم" ،

و هكذا لا يكون لموسى أن يلومه ، و تكون حجة آدم أقوى أمام لوم موسى له ، عليهما السلام ، .. و إن يكن نزوله الأرضَ مترتبا على زلة ما منه ، فلابد أن لهذا حكمةً ما ، و ما هي هذه الحكمة التي قدرها الله للبشر ، إلا أن تكون التجربة العملية التي يجربون فيها أن في معصية الله الشقاءَ و العذابَ و الهوانَ ... فيها الفرق ما بين لجنة و بين الأرض و ما فيهما.أولئك الذين لا يؤمنون بالله و لا بالجنة أو النار : ألم ير جدهم الأول ذلك بعينه ! .. لقد رأي ، علم أن وعد الله حق ، و وعيده كذلك ، لقد جرب أن يخالف أمر الله ، و نال العقاب فعلا ، عقابا مباشرا ، و ليس مجرد حادث ، يمكن تفسيره على أنه عقاب ... غير أنه النسيان ، يقود البشر نحو ما لا يعرفون .. و لعل هذا مما أراد الله أن يشير إليه عندما أمر الرسول أن " ذكر فإنما أنت مذكر " .. و قد قال الشاعر:

يا ناظراً يرنو بعيني راقد و مشاهداً للأمر غير مشاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي درج الجنان ونيل فوز العابد
أنسيت ربك حين أخرج آدما منها إلى الدنيا بذنب واحد

و إن كان الخروج من الجنة ليس بسبب الذنب و لكنه جاء بعد الذنب ليتعلم البشر ما في المعصية من خطر .

أليس عجيبا بعد ذلك أن يوجد الكفر .. لقد كان أبناء آدم معه ، و لقد حكى لهم ، و حكوا هم لأبنائهم ، حكوه بأن قالوا شيئا مثل إن أبانا قد عاش في الجنة ، فلما لم يطع الله في نهي نهاه عنه ، عاقبه الله سبحانه بأن أخرجه من نعيم الجنة ، إلى شقاء هذه الأرض ... فلنعش يا بني آملين في العودة إلى النعيم ، و لا سبيل إلى هذا إلا سبيل الله ، فاعتصموا بحبل الله و أطيعوه لتعودوا يا بني آدم إلى الجنة .... ولكن الحكاية انقطعت لأمر ما و عاد الناس يفكرون و يسألون: هل لو عصينا سيكون عقاب ..؟

و لقد أغرق الله الأرض في عهد نوح و لم يبق إلا من آمن معه و تم محق الكافرين ، و أتى على الأرض يوم جديد و هي مؤمنة خالصة ، قد شهدت جبروت الخالق و علمت قدرته و علمت استحقاقه العبادة ، و لكن أيضا انقطعت الحكاية و أغويت بعض النفوس و نبت الكفر من جديد .. فما الذي ينفع البشر بعد التجربة العملية ، و هل هناك أقوى من التجربة العملية من عظة

.إن طريق الهدي يحتاج ساقين للسير فيه: استخدام و العقل ، و اتباع الرسول .. فمن هو الذي يستطيع المشي بساق واحدة حتى تقوم الساعة ، مواجها شياطين الإنس و الجن من حوله ..

من هو؟

===============================================

الطريق الى الله - ايمن يونس

(3/20/2006 11:00:46 AM)

إن طريق الهدي يحتاج ساقين للسير فيه: التفكر و العقل وكلاهما يطلب الله منا ان نستخدمهما فى القران ويامرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بهما فى سنته المطهرة والاحاديث فى هذا السياق كثيرة والمواقف اكثرفمن يدعى ان الاسلام لا يستخدم العقل لا يعلم عن الاسلام شيئا

اشكرك بشدة على مقالك يا استاذ مجدى
===============================================

ماهية العقل - حسن عبد اللطيف

(3/20/2006 11:40:13 PM)

لأستاذ الفاضل د / مجدى هلال
ذكرنى مقالك بسلسلة مناقشات دارت بينى وبين أخ غائب اسمه يوسف المصرى – كان متخصصا فى أبحاث البيولوجيا ومقيما فى أمريكا – وكانت تلك المناقشات بينى وبينه قبل أن ينقلب على ويتعقبنى بالتهكم والسخرية لأنى هاجمت فكرة الخلافة – وأخذ يتهمنى بأنى أعيش من العمل فى محلات دونكن دونتس – كررها مئات المرات - ولا أدرى لماذا التركيز على ذلك المكان بالتحديد وليس فى ماكدونالدز مثلا أو ايجى أو فرايز أو سيف واى أو حتى وان دولار .. اشمعنى دونكن دونتس – العلم عند الله وحده ,,المهم أن هذا الأخ طيب الذكر دخل معى فى نقاش ذات ليلة حول ماهية العقل .. ولم تتم المناقشة فى هذا الموضوع لنهايتها – برغم اهميتها الظاهرة – وقد أهاج مقالك هذا عندى هذه التساؤلات من جديد ..

لذا دعنى أسألك عن ماهية العقل من وجهة نظرك .. ما هو العقل ؟سأنقل لك فى اختصار وجهة نظرى المتواضعة التى كنت أتمنى أن أوصلها ليوسف وهى على النحو الآتى:من سنن الله فى الكائنات أن يغرس فى الكائن غريزة حب البقاء والتمسك بالحياه والإفلات المحموم من الهلاك بكل السبل. وهذه هى أشد أنواع الغرائز على الإطلاق..وقد ظهرت تلك الغريزة فى ألوان من التكيف البيئى تذهل لبراعتها وجمالها وتعقيدها العقول .. وأبسط وأشهر الأمثلة يمكن أن نجدها مثلا فى تلون أجنحة الفراشات أو جلود الزواحف والبرمائيات تبعا للون البيئة .. ونمو الشعر الكثيف على أجسام حيوانات المناطق العظيمة البرودة وغير ذلك من عشرات ومئات وملايين الأمثلة الكثيرة فى مملكة الأحياء ..وإذا كان الانسان قد قطع مسيرة حياه هائلة شق خلالها طريقه فى الماضى الأرضى الرهيب عبر ملايين السنين حسبما تشير الى ذلك أعمار الحفريات ..

وإذا كان هذا الانسان اليوم هو أرقى الكائنات خلقة وتكوينا على الإطلاق - وإذا كان مع ذلك غير قادر على التحور والتكيف مع البيئة بالأساليب البدائية المتنوعة التى تملكها الكائنات الأخرى – فذلك يعنى أن العقل ( وأعنى به أداة التفكير واصطناع الحيل ) قد كفاه تلك الأساليب جميعا وحل محلها بكل كفاءة واقتدار بشكل يزداد تطورا وتعقيدا عبر الحقب والدهور ..أعنى أن العقل ( أو أداة اصطناع الحيلة عند الانسان ) هو الذى ينجو به الانسان من عوامل الهلاك وألوان التهديد المختلفة ( من حر وبرد وجوع وجفاف وخوف وحيوانات مفترسة وكل ما يخطر على البال من ألوان الخطر وتهديد البقاء .. ).تلك عندى هى الوظيفة البدائية للعقل – باعتباره امتداد للآليات الفسيولوجية المختلفة للنجاة من الهلاك التى تعرفها شتى الكائنات الدنيا الأخرى .فهل جعل الله من العقل ( تلك الآلية المكلفة بحفظ الحياه والفرار من الهلاك ) آلية للانسان تعينه فى البحث عن الخالق أيضا .. ؟اننى لا أظن أن التاريخ البشرى ينتهى عند حدود العشرة آلاف سنة الأخيرة التى شهدت ظهور المجتمعات وبدايات الحضارات ..

اذ أن الأمر يمتد فى عمق ظلمات الماضى مئات الآلاف من السنين – لم يكن العقل خلالها على صورته الحالية من النضج والرقى .. لذلك يجب علينا عند الحديث عن العقل أن نأخذ فى اعتبارنا مسيرة شاقة دامت ما يقرب من مليونين من الأعوام طبقا لمكتشفات علوم الانسان وأهل التنقيب عن الحفريات البشرية الموغلة فى القدم..

========================================

في ماهية العقل
مجدي هلال

(3/21/2006 3:34:46 AM)

أولا لابد ان صديقك يا صديقي حسن يقول لك دنكن دونتس لأن الكلمة ثقيلة مثير للضحك و توحي مع هذا بشيئ غامض لا أول له و لا آخر و لا شكل محدد .. هذا هو انطباعي ، و لذلك أنا لا أحب هذا المكان كثيرا ..

ثانيا إذا كنت تجد أن الإنسان لا يستطيع التكيف مع البيئة بنفس أسلوب الكائنات الأخري ، فإنني أفسر هذا بأن الإنسان لا يدخل في السلسلة التطورية التي قال بها دروين ، بل هو نوع مستقل ، خلق و لم يكن تطورا .. و على ذلك فلا دليل على القول إن العقل تطور و إنه لم يكن على صورته الحالية من النضج و الرقي .. لا دليل على هذا ، بل هناك قوله تعالى في أول سورة البقرة "و علم آدم الأسماء كلها" .. أي أن آدم و هو أول البشر كان عاقلا و تعلم كل الأشياء ... بل إنه كان مكلفا بأوامر و نواهي .. أي أن العقل كان هو العقل ، و الفرق فقط بيننا و بين الجيل الماضي هو في كم المعارف و في الخبرات المتراكمة التي نرثها عمن سبقوا ، لا في قدرات العقل ..

و قد خلق الله العقل لأننا المكلفون بالخلافة في الأرض ، فنحتاج أن نراكم الخبرات و نكتشف كيف نستفيد مما سخر الله لنا ، أما أن الوظيفة البدئية هي حفظ الحياة و النجاة من الهلاك ، فربما يكون صحيحا ، و لكن الأصح عندي هو أن حفظ الحياة وظيفة جانبية لأن الوظيفة الأسسية هي القيام بمسئوليات الخلافة في الأرض إرضاء لله الخلق ، و هذا يستوجب أن نحافظ على الحياة ، لأننا إن متنا لا يمكننا القيام بهذه الخلافة ، أي أن حفظ الحياة وسيلة و ليس هدفا ، و ما يجعلها هدفا هو أنها لابد منها للقام بالخلافة ، كما أن الخالق نهى أشد النهاية عن التخلص من الحياة بأي شكل كان سواء عمدا أو بالإهمال و اللامبالاة

فالعقل إذن هو الأداة التي نقوم بها بمهمتنا في الأرض ، و على هذا لأساس يمكن تعريفه ... الأمر الأهم هو كيف نستخدمه ، و كيف نجعله تحت سيطرتنا لا تحت سيطرة الهوى غير المعقول و لا إبليس ...و من أجل هذه السيطرة فقد وردت في كتاب الله كثير من الآيات التي تشير إلى حالات استخدم العقل ، على سبيل الأمثلة ، و الأطر التي يكون فيها استخدامه ، و هذا ما أظن ..

و كما قال الأخ أيمن يونس ، إن من يقول إن الإسلام لا يستخدم العقل لا يعلم عنه شيئا ، فإن في المشهد الأول من القرآن الكرين نجد العقل حاضرا ... "و علم آدم الأسماء كلها" ، و على مدى الرحلة مع الكتاب الكريم نجد العقل في كل محل ، لمن له عقل أو ألقى السمع و هو شهيد ..
تحياتي

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...