الأحد، أبريل 09، 2006

حكمة الله - 8

نشر هذا المقال في شباب مصر في مارس 2006 ، و لقراءته حيث نشر انظر

http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=View&EgyxpID=5124

خليفة في الأرض تعني أن يكون له سلطان في الأرض على ما فيها ، و لكن أنّىَ للإنسان أن تكون له سلطة إلا بإذن الله ، فإنه تعالى مالك الملك ، و إن يأذن لخلق من خلقه أن يسيطر على شيء من الخلق و يمنحه سلطات لهذا فهي الخلافة ، مثلما يستخلف الحاكم أحد تابعيه ليحل محله في غيابه فيمنحه السلطات و يحدد له الحدود أيضا ، لذلك سخر الله للإنسان ما في الأرض جميعا ، و هذا التسخير فيه الإذن للإنسان باستخدام ما يرى مما في الأرض ، و بتغيير ما يحتاج التغيير لتمكن الاستفادة منه ، فالإنسان خليفة يصنع في الأرض ما يشاء في حدود ما قرره الله تعالى له في الرسالات المرسلة ، فالأرض للإنسان على الإطلاق في داخل تلك الحدود ، و لعل إسكان آدم الجنة و هو الخليفة للأرض تمثيل لهذه الخلافة ، فقد قال تعالى لآدم أن يسكن و زوجه الجنة و يأكلا منها حيث شاءا ، فهذا هو الإطلاق في معنى الخلافة ، و لكن هذا اقترن بنهي عن تلك الشجرة ، فهذه الإشارة إلى أن الإطلاق له حدود ، هو درس لآدم و بنيه ليتعلموا ما الذي يجب أن يكون عليه الحال في الأرض ، فإذا ما جاءوا الأرض ، أقاموا فيها خلافتهم على أساس أنها لهم مسخرة لا يحدهم عن استخدامها حد إلا شرع الله المرسل إليهم ، و لقد جربوا من قبل ما في مخالفة شرع الله من عواقب.

و إن المستخلف من قبل حاكم على قوم ، مجيد إذا التزم بالحدود التي حده بها الحاكم ثم أحسن و أبدع في استخدام السلطات مستوحيا ما قد يريده الحاكم ، فكذلك بني أدم عليهم أن يستخدموا السلطات إلى آخر المدي مستلهمين حكمة الله في ما يعملون ، و مستهدين بأوامره و نواهيه ، و لذلك فإن علينا أن نعلم حكمة الله أيضا ، قدر استطاعتنا ، مع علمنا و اتباعنا للأوامر و النواهي بلا جدال ، فباستلهام حكمته تعالى نبدع في الالتزام بالأمر و النهي.

و هنا قد تتبدى لنا إجابة عن سؤال ، و هو السؤال عن الحاجة لأن يكون الإنسان خليفة في الأرض ، لماذا لم يخلقه الله تعالى ليسكن الأرض و السلام؟ ، لماذا جعلنا خلفاء ؟ .. و الإجابة المتبدية هي أن نتعلم أن للإنسان أن يصنع ما يرى ، و بالتالي تصبح كل الأعمال جائزة ، و يكون المنع و التحريم لأمر من الأمور هو الاستثناء ، و يكون غير مبرر طالما لم نتحد حدود الله تعالى ، فإذا كشف العلم عن قدرة الذرة ، أو كشف عن بنية الجينوم البشري ، أوابتدع نظاما لتيسير الحياة ، أو حاول استكشاف المريخ ، أو استنسخ كائنا حيا ، أو ربما صنع ما يمنع الأنثى من الحمل ، أو غير هذا من أعمال و اكتشافات ، فإنه لا بأس به من حيث المبدأ .. و لكن ربما يتغير هذا بمزيد من النظر و التفكير

و لماذا يكون بأس و الإنسان خليفة في الأرض ، قد استخلفه فيها رب العالمين ، و سخرها له و كل ما فيها ، و علمه العلوم ليقوم بهذا ، و إن أمره سبحانه للملائكة بالسجود لآدم جاء بعد ذكر تعليم آدم الأسماء كلها ، فهو بهذا العلم حاز الفضل ، و صار مؤهلا للقيام بالخلافة ، وإن رد الله سبحانه و تعالى على الملائكة كان ذا شقين ، فالأول هو أنه سبحانه يعلم ما لا يعلمون ، و الثاني كان بتعليم آدم ، ثم توجيه الملائكة إلى أن هذا هو الفضل الذي يتميز به بنو البشر ، و الذي يؤهلهم للخلافة ... و إذا كان الله تعالى يعلم ، ثم هو يعلم آدم ، فياله من فضل عظيم ناله آدم و نلناه بالتبعية .. و هو يعني أيضا أن العلم له دور كبير في قيامنا بخلافة الأرض ، و لا يجب بهذا أن يكون له حدود إلا الحدود التي يبينها الله في القرآن.

و ربما يكون من الحدود قوله تعالى إنه لا يعلم الغيب إلا الله ،و إن الروح هي من أمره هو سبحانه ، و أنه هو الذي يحيي و يميت ، و أن البشر لن يخلقوا حتى ذبابة ، و أن هدى الله هو الهدى .... و أيضا قد حذرنا القرآن أن إبليس سيعمل على أن يجعلنا نغير خلق الله ، فهذا أيضا قد يكون حدا من الحدود ... و القرآن معنا لنستلهمه من أجل ألا نجاوز حدود الله .
===
.حتى لآن قد مررنا بالقرآن من أول الفاتحة ، إلى أن وصلنا إلى قصة خلق آدم ، و الدرس البليغ فيها ، و لقد كان ما قبل قصة الخلق و كأنه المقدمة لكتاب ... و الفصل الأول من هذا الكتاب كان قصة بدء الخلق ، و هو بالتأكيد مكان هذه القصة ... و ليس فقط ذلك الدرس الذي يمكن استخلاصه من قصة بدء الخلق ، و هو درس التجربة العملية ، بل إن هناك الكثير من المعاني في هذه الرواية المقتضبة لخلق آدم ، من بينها كما جاء في الحلقات السابقة نقض فكرة النشوء و الارتقاء بالنسبة للبشر ، و من بينها قبل هذا قيمة العقل ، فإن ما ميز آدم على الملائكة كان أن الله قد علمه الأسماء كلها ، و هو مفتاح القيام بخلافة الأرض كما سبق .. هكذا أراد الله أن يمر الناس عمليا بتجربة الانتقال من الجنة إلى الأرض بعد الإثم و المعصية .. ليدركوا أنما يقعون في المعصية عندما لا يتحرون أمر الله و نهيه و حكمته في خلقهم كما خلقهم ، أو في تسييرهم أمور حياتهم كما أراد لهم و ليدركوا ما في طاعة الله من فوز و رشاد ، فيتمثلوا هذا كما ينبغي في قيامهم بالخلافة في هذه الأرض.

و هكذا تم تقديم الكتاب ، بمقدمة مثالية ، جامعة و موجزة ، بل إن الأحداث المروية بعدها ، عن بدء الخلق ، موجزة للغاية ، و سيحوي الكتاب فيما بعد الكثير من التفاصيل ... و هكذا حقا تكون المقدمات ، و يكون السير بالقارئ في سبيل الهدي .... و لكن ماذا عن بداية هذا الأمر ؟! .. فإننا قد رأينا من هذا الفصل الأول من كتاب الله تعالى ، كيف كان بدء خلقنا ، نحن البشر ، و علمنا أن لدينا العقل و القدرة على التعلم ، و أننا مكلفون بمهمة هي الخلافة في الأرض ، فهل يكفي هذا؟ .. لا يبدو أنه يكفي ... فقد جاء أمر الله بنزول آدم للأرض التي قد خلق لها و معه بعض من التوجيهات ، فأولا كان أمر النزول لآدم و لإبليس و معه الإعلام بالعداوة التي ستكون بينهما ، و هذا في الحقيقة هو بدء الصراع بين الخير و الشر ، و هو مصدر الإلهام لأكثر أعمال البشر في الأدب و الإبداع و الفلسفات و غيرها ، بل إن هذا هو بدء الصراع أساسا في تاريخ البشرية ، قد بدأ مع نزولنا الأرض ، بل قد كان هناك يتشكل قبل النزول ، و لم ننتبه (أعني آدم) إلا بعد خسران أول معركة فيه ..

و إن هذا ليوحي إلينا أن الصراع ليس هدفه في الحقيقة أن ننتصر على الشر لنكون سعداء في حياتنا ، ذلك أن مدار الصراع هو أوامر الله و نواهيه .. فنحن مكلفون بمراعاتها ، بينما إبليس يعمل على أن نخالفها ، فالفوز لنا كلما كنا ملتزمين بها ، و الهزيمة كلما خالفنا إحداها .. تلك هي المسألة.

و قد كان بعد النزول أن تاب الله على آدم ، و ليس قبله ، فإن التوبة تحتاج عملا و إثباتا للرغبة فيها و النية في الانصلاح .. و بعد التوبة يكون أقوى تأثيرا أن يخبر الله آدم و زوجه و بنيه ، بالأمر ، و الأمر هو أمر هذه الرسالة - الدين - هذه الدعوة إلى الله ، التي جاء بها الرسول بعد الرسول ، و إنه حقا لسؤال ، كيف بدأ هذا ؟ و المكان الأمثل للإجابة لن يكون إلا هنا ، في بداية الكتاب ، و مباشرة بعد ذكر الحدث الأول في تاريخ البشر ، فمع هذا الحدث الأول بدأ الأمر ، إذ يقول تعالى:

"قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)"

فتلك هي البداية ، فعندما قضى الله أن حان الوقت ، أن تهبطوا ، جميعا ، آدم و زوجه و بنو آدم ، و معهم الشيطان عدوهم ، بعدما عرفوا مدى عداوته بالتجربة – حان وقت هبوطهم إلى الأرض ، فقد أخبر الله تعالى أن لهم مستقرا فيها إلى حين ، أي أنهم عائدون إلى ربهم ، و لكن يخبر الله تعالى أيضا أن من تصله دعوة الله فيتبعها ، فلا خوف عليهم ، و من لا يتبعها فهم خالدون في النار ، و هذا هو الأمر ، فالآن يهبط آدم و من معه ، لينتظروا داعي الله تعالى ، من أجل أن يتبعوه ، ليعودوا إلى الجنة التي قد عرفوا و جربوا من قبل ..فالخلافة في الأرض إذن ليست سلطات و قدرات و حسب ، بل مسئولية تحري الهدى في خلال القيام بهذه الخلافة ، و معايشة هذا الصراع الذي بدء مع بدء الخلق و لن ينتهي إلا بنهاية الحياة على الأرض .. فلا يجب أن نفرح كثيرا بهذه الخلافة لأنها تأتي مع كثير من الهموم العظيمة ..

فآدم قد نزل إلى الأرض ، و بدأ ينتظر رسولا من الله .. و في إطار هذا ، يعلم قارئ القرآن ، قيمة ما يقرأ ، إنه القول الفصل ، و كلمة الله تعالى الأخيرة ، في دعوة البشر ، تلك التي ينتظرها البشر منذ آدم.

إن قصة خلق آدم ، و إسكانه الجنة ، و كبر إبليس عن السجود مذكورة مرات عدة في القرآن ، و هذه المرة الأولى لها أغراض محددة ، كما أن لكل مرة أخرى أغراض أخرى تناسب موضعها ، ففي هذه السورة الأولى كان الغرض الأول هو توضيح كيف بدء الأمر ، أمر الدين ، و خلافة الإنسان في الأرض ، فلقد أراد الله تعالى خلق خليفة في الأرض ، و قد ميز سبحانه هذا المخلوق بالعلم ، و كان هذا وحده الرد على الملائكة ، و الآن الأمر يبدأ ، فبعد الخلق و التعليم ، إشارة سريعة إلى عداوة إبليس ، و سبب العداوة قد أشير إليه من قبل ، و أما الغرض فهو تعليم بني آدم بأنهم نازلون الأرض ، لينتظروا الهدي من الله ، و قد عرفوا سبب الحاجة إليه ، ألا و هي وجود إبليس معهم ، كما و قد جربوا ما في المعصية من خطر ، و منذ ذلك النزول بدأ أمر الدين ، و هو مستمر إلى يوم الساعة ، و نحن الآن في الجيل الحالي من البشرية ، نحن الذين علينا تمثل هذا و فهمه جيدا.

بدء العهد الجديد في تاريخ البشرية

و تم تقديم الكتاب ، و الدعوة و المتلقين ، و تم الإعلام بأصل هذا الأمر ، و ستمضي السورة الكريمة الآن إلى ما ستمضي إليه ، فتتناول الكثير ، من الأمور ، تتنقل من أمر لأمر ، بسرعة كبيرة ، و كل الحكايات الواردة فيها مختصرة ، كما أن الأحكام كثيرة ، و متنوعة .. فالسورة شاملة عامة ، هي فسطاط القرآن كما وصفت ، تضع معالم رئيسية ، لنظام حياة البشر ، تورد كما من الأحكام و القوانين ، المتتالية ، المتنوعة ، التي قد لا نستطيع أن نضعها في إطار ما ، إلا إطار ملامح الدنيا التي يجب أن تكون .. أو لنقل تلك ملامح دين الله الذي اختاره ، تعالى ، لعباده ، إن سورة البقرة فيها بناء الإسلام ، فيها الهيكل الذي يتسع ليشمل كل شيء من الدين مما سيلي في بقية القرآن .. إنها مقدمة لأمر كبير ، مقدمة لدستور الحياة ، و يستطيع القارئ أن يدرك أن هذه السورة فعلا هي الفصل الأول من كتاب كريم .

و هذا العهد الجديد هو عهد الإسلام ، و كلمة الله الخاتمة ، و الراية ينزعها الله من قوم لم يحفظوها ، و ينعم بها على قوم آخرين ، جيل جديد من المؤمنين ، يتسمون باسم المسلمين كما سماهم أبوهم ابراهيم من قبل ، لا يتخذون لأنفسهم اسم قبيلة من القبائل و لا اسم بلد من البلاد و لا اسم إنسان من بني البشر ..

و من أجل التقديم لهذا العهد الجديد ، لابد من النظرة في العهد القديم ، و لذا فسورة البقرة بعد الحكاية السريعة الغنية بالدروس لقصة بدء الخلق ، تبدأ في ذكر بني إسرائيل ، و هم الذين من الله عليهم بكتبه و رسله فلم يحفظوها ، و ليس المعني ببني إسرائيل هنا اليهود و حسب ، فإن عيسى عليه السلام كان رسولا لبني إسرائيل .. و من رحمة الله ، أنه سبحانه أول ما يذكر أهل هذا العهد السابق ، ليكون في ذكرهم العبرة و العظة لأهل العهد الجديد ، فإنه تعالى يبدأ فيدعوهم للإيمان ، لألا تكون لهم حجة عندما لا يؤمنون ، و هو تعالى أعلم بقلوبهم ، و لكنه جلا و علا ، حكيم لطيف ، يقول تعالى:

"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41)"

و عهد الله هو التزام دينه الذي ارتضى الذي يأتي به نبيه الخاتم ، و هو العهد المأخوذ على بني إسرائيل ، أخذه الله عليهم عندما أنعم عليهم و فضلهم دون بقية الخلق بكتبه و رسله مدى الأجيال ، و كان من مما تضمنه العهد أن يتبعوا محمدا صلى الله عليه و سلم حين يرسل إليه ... إن إمكانية التفضيل لم تنتزع من بني إسرائيل ، لأنه لا يبدل القول لدى الله تعالى ، و لكنهم لم يفوا بما عليهم ... و الشرط ما زال قائما ، و لو تخيلناهم الآن قد تحولوا إلى الإسلام ، و أخلصوا فيه لله ، ألن يكونوا متميزين ، فقد عايشوا الأنبياء حقبا طويلة أكثر من أي شعب آخر ، قد اختارهم الله تعالى لذلك ، و لو كانوا اتبعوا رسول الله منذ البدء لصاروا الآن قادة البشرية ، و لكنهم لم يفعلوا ، و قد علم الله قلوبهم ، و لذا انتزع منهم الراية ، و مع ذلك يبقى العهد قائما ، فإنوا أسلموا و أخلصوا لله ، نالوا ما وعدوا ، و الآية تقول لهم "أوفوا بعهدي أوف بعهدكم" ، و الشرط قائم إلى يوم الدين ، و لكن الله أعلم بهم.

و لأن هذا عهد جديد في تاريخ البشرية ، تنتقل فيه كلمة الله من بين أيدي بني إسرائيل ، إلى بني إسماعيل ، فإنه لابد من النظر في العهد السابق ، عهد بني إسرائيل ، و لكن السورة في هذه المرحلة لا تروي قصة بني إسرائيل ، إنما تروي شذرات و فصول متفرقة ، و نتف مما كانوا يصنعون ، و بدون المزيد من التفاصيل ، و قد بدأ هذا مع الآية 40 أعلاه ، و استمر حتى قرب منتصف سورة البقرة ، في رحلة طويلة ثرية بالدروس و الحكم و العبر ، التي يجب على المؤمنين في العهد الجديد أن يعوها تمام الوعي ، ليقوموا بالأمانة ..

و تستمر هذه الرحلة حتى الآية 134 التي تقول:"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)" و هذه بجلاء تمييز العهد المنقضي من العهد الجديد ، و ليس هذا فحسب ، فهذا التمييز يتأكد عندما يكرر الله تعالى الآية بنفس كلماتها مرة أخرى في آية 141:"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)" ... نفس الآية تماما ، بلا زيادة أو نقصان ، أما ما بين التكرارين فهو المبدأ الذي يجب أن يعتمده المسلمون ممن سبقهم من أهل الكتاب ممن رفض اتباع محمد صلى الله عليه و سلم ، فيقول تعالى موجها المسلمين عما يقول به اليهود و النصارى ، و عما يجب على المسلمين قوله و فعله:

"وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمْ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)"

و بهذا فقد تم نقل الراية من عهد إلى عهد ، بعدما علمنا كيف بدء أمر هذا الدين و بدء خلقنا و وجودنا على هذه الأرض .. و كيف نفعل مع من سبقوا ، أما ما يلي في النصف الثاني من سورة البقرة فهو رسم ملامح الدين الخاتم ، و لا عجب بعد هذا و بهذا أن أول آية في هذا النصف الثاني تقول: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)" ... نعم .. إنه التحول من القبلة في بيت المقدس إلى مكة .. أليس هذا هو الإعلام بأن العهد الجديد قد بدء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...