الثلاثاء، أبريل 07، 2009

عندما يكرس نواب الشعب للفكر المتخلف

لاشك أن رقص بعض طلاب المعهد العالي للتكنولوجيا ببنها احتفالا بتغيير اسم المعهد إلى كلية، قد صاحبه شعور بالانتشاء لدى أعضاء مجلس الشعب الذين ساعدوا على هذا العمل، فهم يرون أنهم حققوا انتصارا ، و ما هو بانتصار، إنما هو الانغلاق و الاستسلام للتخلف بأوضح صوره

فالمعهد يخرج مهندسين على أفضل مستوى منذ 1993، ما يزيد على 30 دفعة، و الكل يعمل في مختلف المجالات في مصر و خارجها، بل إنه و في هذه اللحظة يوجد عشرات من خريجي المعهد في الخليج العربي و ليبيا و الولايات المتحدة و كندا و انجلترا و استراليا و أسبانيا و ألمانيا و التشيك، و هؤلاء هم الذين أعرفهم، و تميز هؤلاء و غيرهم كمهندسين حقيقة حيث يعملون ، و يجب هنا التأكيد لمن لا يعرف على أن المعهد يمنح بكالوريوس الهندسة و يخرج مهندسين يعملون مهندسين و يلتحقون بنقابة المهندسين و ذلك هو الحال منذ أول دفعة من الخريجين، و هذا فقط من باب التأكيد على الحقائق لا أكثر

فما هي المشكلة التي أدت إلى ذلك الاعتصام، و إلى تغيير الاسم؟

إنه مستوى الطلاب الحاليين، فمنذ سنوات قليلة زادت وزارة التعليم العالي التي كان المعهد يتبعها من أعداد الطلاب الذين يلتحقون بالمعهد المتخرجين من المعاهد المتوسطة و المدارس الصناعية، حتى تجاوزا 80% من طلاب المعهد مقابل نسبة قليلة من طلاب الثانوي العام، و لأن هؤلاء الطلاب لا يملكون اللغة الإنجليزية، و لا العلوم الأساسية من الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و غير ذلك من المؤهلات المطلوبة للدراسة بالمعهد فإنهم تعثروا في الدراسة و صار من الصعب التدريس لهم لعدم استعدادهم لهذا المستوى من الدراسة ، و هو ما أدى إلى عزوف كثير من السادة الأساتذة عن القبول بالانتداب للتدريس بالمعهد، و بسبب أن نسب النجاح تدخلها عوامل سياسية فإن هؤلاء الطلاب يتخرجون، و لو بعد حين، ليبدأ ضعف مستواهم في الظهور عندما يمارسون عملا، فإذا الدعوى تأتي أن أصحاب الأعمال لا يرغبون فيهم لأنهم خريجو "معهد" رغم أن آلافا من خريجي المعهد سبقوهم و لا يجدون أية مشكلات

فالسبب إذن هو الوزارة التي تخرج طلاب التعليم المتوسط بلا حساب لتدمر بهم مكانا مثل المعهد العالي للتكنولوجيا ببنها، و لقد كانت كل دفعات المعهد منذ أول دفعة تضم خريجي التعليم الفني، و لكنهم كانوا المتميزين، الذين يملكون المؤهلات المطلوبة و يستحقون الفرص للارتقاء بمستوى تعليهمم

لماذا لا يتجه كل شخص للدراسة التي يملك مؤهلاتها؟

و لو أن أستاذ الجامعة ترك حرا ليمارس عمله و يعلم و يخرج من يستحق فقط لما تخرج أبدا من لا يستحق ، و لكن هذا ليس هو الحال في مصر

إنها العقلية السياسية التي تتباهى بالشكل دون المضمون .. و بمثل هذه العقلية شارك بعض أعضاء مجلس الشعب في الأمر، ليكسبوا شعبية بكونهم من تبنوا "القضية" و ليظهروا في وسائل الإعلام .. و لو أنهم يعملون لمصلحة البلاد، لكان لهم اتجاه آخر، فهو صحيح أن كثيرين في مصر لا يفهمون أنه يمكن أن يكون هناك "معهد" مساو و لن أقول أفضل من كلية .. فلو أن السادة النواب يفكرون بوعي لسعوا في سبيل تغيير مستوى الوعى العام و علموا المصريين كيف يقدرون الناس بمستوى الآداء و ليس باسم المكان الذي تخرجوا فيه .. و هذا فقط واحد من أفكار كثيرة كان الأجدر بالنواب التفكير فيها

و لو أن كليات الشرطة و الجيش لا تقبل خريجي المعهد لكان يجب على النواب العمل على تغيير هذا الوضع غير الطبيعي لدى قوانين الداخلية و الدفاع

و لأن نقابة المهندسين قد اتخذت اجراءا غريبا مؤخرا بكتابتها مسمى "بكالوريوس المعهد العالي للتكنولوجيا" على الكارنيه بدلا من بكالوريوس الهندسة كما كانوا يفعلون، فقد كان يجب على النواب اتخاذ موقف ضد النقابة، لأن ما فعلته غير قانوني، إذ لا يوجد في مصر درجة علمية اسمها بكالوريوس المعهد العالي للتكنولوجيا، و بالمناسبة فإن كارنيه النقابة الخاص بي مكتوب عليه بكالوريوس الهندسة، و أنا من خريجي المعهد في دفعته الأولى، و قد حصلت على الماجستير من المعهد و على الدكتوراه من الولايات المتحدة

و كان من الأولى قبل كل هذا أن يعمل النواب على تحسين مستوى الدراسة بالتعليم قبل الجامعي ، الفني منه و العام، ليتخرج منه من هم أفضل مستوى

و لكن نواب الشعب فضلوا أن يحصلوا على بعض الهتاف بدلا من ان يعملوا من أجل المستقبل

كان خريجو المعهد منذ أول دفعة قد نجحوا في فرض أنفسهم على سوق العمل في مصر و خارجها، و تغلبوا على ثقافة المصريين بشأن مسمى المعهد، و هو إنجاز حضاري ، أما الآن فقد ضاع ما حققوه بسبب مساندة نواب الشعب لبعض الطلاب الذي لا يملكون المؤهلات للتعلم و لا العزيمة للنجاح

فماذا خسر طلاب المعهد بعد أن تغير اسمه؟ لقد صاروا يدرسون في واحدة من كليات كثيرة، و ليست كل كليات الهندسة جيدة، و لأنهم الأحدث فسوف يكونون في المؤخرة، بعد أن كانوا متميزين بمعهدهم المتميز اسما و مستو، و كما أنهم أساءوا إلى سمعة المكان في وسائل الإعلام، و في المحصلة فالدراسة هي الدراسة و لن يتغير إلا اللافتة على مدخل المكان .. و "ياله من انتصار" حقا

و لكن يبقى للخريجين القدامى أن يقولوا إنهم تخرجوا من بنها عندما كان معهدا ذا خصوصية قبل أن يصبح واحدا من بين كثير من الأماكن

منذ انضم المعهد لجامعة بنها تغيرت النسبة بين طلاب التعليم الفني و طلاب الثانوية العامة، فعادت كما كانت في العشر سنوات الأولى أو نحو ذلك من عمر المعهد، و يرجى أن يتحسن المستوى في السنوات القادمة، و لكن على الخريجين الجدد أن يبنوا سمعة جديدة للمكان، و يبدأ ذلك بأدائهم كطلاب

ليس ما أقوله هذا تأييدا أو اتفاقا مع ما قاله وزير التعليم العالي و لا رئيس جامعة بنها، فإن فيما قالوا كثيرا من التعبيرات المستفزة المتعجلة في وصف الوضع القائم، و ليس فيما قلته أي شيئ موجه ضد طلاب المعهد الحاليين من خريجي التعليم الفني، فليس خريجو الثانوية العامة على المستوى المطلوب، و ليس التعليم في مصر عامة بخير، و لكن عندما نقول إن فلانا ليس مؤهلا لدراسة ما فهو ليس إقلالا من شأنه، فكل ميسر لما خلق له، و الواقع يشير إلى أن خلفية التعليم الفني لدى بعض الطلاب تخلق عائقا دراسيا ، و هو أمر غريب، كما أن عدم وجود اللغة الإنجليزية و ضعف مستوى العلوم الأساسية مشكلة كبيرة لدى الكثير من الطلاب ... و لا يعني ما قلته التمييز بين هذا الطالب و ذاك، فعلى قدر مستوى الآداء يكون التقدير و ليس عندي معيار غير هذا

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...