الأربعاء، نوفمبر 30، 2011

د. يوسف زيدان يكتب: إجهاض الثورة وإبقاء الفورة التقلُّبُ فى الترقُّب.. مفهوم البلطجة

الدكتور يوسف زيدان فلتة من بين الكثيرين، عقلية فذة حقا، يدرك قيمة الكلام فلا يتكلم إلا بعد تدبر و نظر، فيأتي كلامه حكيما، و هو هنا يقول لنا إننا يجب أن نفهم لماذا يوجد ما يطلق عليه البلطجة، فإنها ليست المشكلة بل هي النتيجة، و كذلك يشرح كيف أن أهل المقاهي الفضائية التليفزيونية يسهمون بصراخهم المستمر في تشويش الوعي، و بلبلة الجميع، و أهم ما يراه في هذا المقال هو أن الحكمة تقتضي أن نلتزم بالطريق الذي اخترناه، و نمضي فيه، فلا تتفرق بنا السبل، لأن الصراخ التليفزيوني المستمر شتتنا بشدة، و ضلل الكثيرين

لقد مضينا في الطريق - طريق الانتخابات و الأمل أن تتم المسيرة، فلقد أثبت المصريون أنهم مازلت فيهم القدرة على العمل الكبير، برغم أولئك المضليين التليفزيونيين، و مدعي  النشاط و العمل السياسي و هم الذين يمارسون البلطجة الحقيقية على الناس

و هذا مقال الدكتور يوسف زيدان
المنشور في المصري اليوم في 30 نوفمبر 2011

بصرف النظر عن أثر (التطبيقات العملية) لإدارة المجلس العسكرى للبلاد، وهى التطبيقات التى تتفاوت بشأنها وجهات النظر ما بين قائلٍ بأن أعضاء المجلس، ورئيسه، من كبار رجال الحرب والقتال ولا يعيبهم أنهم غير خبراء فى التعامل مع المدنيين ،  وقائلٍ يتهمهم علانيةً بسوء النية وفساد الطوية، مستدلاً على ذلك بتدليل المجلس للمخلوع والمخلوعين معه، والحنان المفرط معهم، وفى الوقت ذاته يتم تعامل المجلس مع جمهور الناس على النهج (الاحتقارى) الذى أطاح بالمخلوع والذين كانوا يلوذون به ويمهِّدون له رغباته المنحرفة فى توريث ابنه «جمال» وفى النهب المنظم لثروات البلاد، وفى إخراج مصر من الساحة الدولية كطرف مؤثر، وفى خاتمة المطاف: قتل المتظاهرين الأحرار الذين أجمع المصريون على أنهم «الورد اللى فتَّح فى جناين مصر» ..
ورُبَّ قائلٍ ثالثٍ يرى أن الارتباك العام فى مصر يعود إلى خشية أعضاء المجلس من الاستقرار السريع للأمور العامة، لأن ذلك سوف يسهم فى تفتيح الأفواه وتوجيه العيون نحو مشاركة أعضاء المجلس ورئيسه فى «البلايا» التى كانت تجرى قبل قيام ثورة يناير.
وبصرف النظر عن أثر (الفعل الجماعى) للمصريين من بعد الثورة، وهو الفعل الذى لا يريد أن ينضبط، بل يتفاوت دوماً ما بين حركاتٍ شعبيةٍ حُرةٍ، بريئة، ترجو لمصر الأمن والترقى، وحركاتٍ من تلك المسماة بالعامية «نُصّ كُم» تقوم بها القوى السياسية بغير إخلاصٍ أو نية إصلاح، رغبةً فى الحصول على بعض ثمار الثورة (= قطعة من التورتة) وهو ما أدى إلى تفاوت فى الآراء ما بين قائلٍ بأن المصريين لا يستحقون الديمقراطية لأن الجهل يسود فيهم ويعيث بعقولهم فساداً..
وقائلٍ يؤكد أن ثورة يناير أخرجت من المصريين أفضل ما فيهم، لمدة أسبوعين فقط، ثم راحت الثورة من بعد ذلك تُخرج أسوأ ما فى المصريين من ميلٍ فطرىٍّ للفوضى، ومن عدم الوعى بحرج اللحظة التاريخية التى يمرون بها، ومن ميراث طبيعى للعقود الثلاثة (البائسة) لدولة مبارك، والعقود الستة (السيئة) لدولة الضباط الأحرار، جداً، التى كانت مقدمةً لدولة المخلوع وتمهيداً لها.. وقائلٍ ثالثٍ يرى أن الفعل المصرى العام يشوبه التشويش بسبب ما أسميه «تبديد التوحيد بنشر التشتيت» وهو الأمر الذى يلعب فيه الإعلام دوراً ملموساً، وكذلك المرتبطون بالنظام السابق (الساقط) بالإضافة إلى المؤامرات الخارجية التى لا ينكرها إلا جاهل.
وبصرف النظر عن أثر (الانتخابات) التى جرت فى اليومين الماضيين، ولا أعرف الآن ما الذى يمكن أن تنتهى إليه لأن هذه المقالة مكتوبة يوم الأحد الماضى، قبل أقل من يوم واحد على بدء الانتخابات. وقد سبقتها الأجواء التى نعرفها، ونعانى من اضطرابها وتفاوت الآراء فيها ما بين مرحِّبٍ بها، ومتخوِّف منها، ورافضٍ لها، وداعٍ إلى تأجيلها... إلخ.
بصرف النظر عما سبق كله، ودون الخوض فى مناقشة (الأقوال) السابقة التى لا تكاد تنتهى، فإن النتيجة النهائية للأمر، من دون أى شك، هى الحالة المصرية التى وصفتها بعنوان هذه السباعية «إجهاض الثورة وإبقاء الفورة» بمعنى تغييب المفهوم العميق للثورة بكل ما تشتمل عليه من مشاعر نبيلة تنطلق من الحب العميق لمصر والمصريين، لصالح المفهوم السطحى للمصالح العاجلة والمكاسب المرجوة. وبمعنى فقدان البوصلة التى تقوم بتوجيه الفعل الجماعى، والانشغال بالوقائع الجزئية التى تطفر فجأة كل يوم وتؤدى إلى تشتيت الإرادة العامة.
ومنذ أيام قليلة، وتحديداً من مساء يوم السبت قبل الماضى، عادت الثورة المصرية واستعادت عافيتها فجأةً، فاختفت فجأةً: أحداثُ الفتنة الطائفية وإحراق المساجد، اللعبُ السياسى بالأوراق الدينية، تصدُّرُ ذوى اللحى الكثيفة للمشهد السياسى، الهيجانُ الإعلامى لتلميع الفريق المسمَّى «المرشحون المحتملون للرئاسة» وأنصارهم، القلاقلُ المسماة «المطالب الفئوية».. وغير ذلك من تجليات (الفورة) التى صارت بديلاً ممسوخاً لحالة (الثورة).
والآن، أما آن لنا التفكير برويَّة وتَدَبُّرٍ منطقى؟ أو بعبارةٍ أوضح: ألم يحن الوقتُ لإعمال العقل فى مفردات التشويش، وفى العناصر المؤدية إلى إجهاض الثورة لصالح إبقاء الفورة؟.. سوف أتوقف فيما يلى عند نقطتين، فقط، ترتبطان ارتباطاً وثيقاً بما نُعاينه اليوم فى مصر، ونُعانى منه. وأولى الاثنتين ما جعلته النصف الأول من عنوان مقالة اليوم.
■ ■ ■
التقلُّبُ فى الترقُّب، حالةٌ مصرية ابتدأت مع ابتداء «ثورة يناير» وتطورت تدريجياً، وهى لا تزال ممتدة فى بلادنا إلى اليوم (وأظنها ستمتد فى مقبل الأيام) ومقصودى بها هو الآتى:
مع اندلاع الثورة التى أدت إلى «التنحِّى» من بعد دوام «التناحة»، رأى كثيرٌ من الناس فى مصر أن الفرج صار قريباً، وهيَّجت وسائل الإعلام حالة الاستبشار الجماعى بالمستقبل، بما سارعت إليه من إعلان الأرصدة المالية الهائلة لمبارك وحاشيته، فى بنوك أوروبا. ومن ثم، توقع الناسُ الذين ظلمتهم الأيام بأن جعلتهم يعيشون البؤس المصرى فى زمن مبارك (غير المبارك) اقتراب المطلب الذى رفعته ثورة يناير «العدالة الاجتماعية» خاصةً أن مطالب هؤلاء المصريين البؤساء متواضعة، وكلها من نوع: الحصول على وظيفة، الحصول على سكن مناسب، زيادة الرواتب، المعاملة معهم باحترام لآدميتهم. وكلها مطالب غير مستحيلة، وما دامت الأموال التى نُهبت من البلاد سوف تعود، فقد صار الصبحُ قريباً.. وترقَّب الناسُ.
ومن دون سببٍ واضح، اندلعت أحداث الفتنة الطائفية من جديد، من أجل خاطر «الأخت كاميليا» وبقية أخواتها، كأن المسلمين ينتظرونهن بفارغ الصبر لزيادة العدد وإعزاز الدين! وبسبب الأحداث الدامية مات كثيرون، لغير وجه الله، وعوقب كثيرون وعانى المصريون من حالة فزعٍ عام، وخوفٍ .. وترقَّبَ الناسُ.
غير أن المصريين وجدوا فى (الجيش) الذى يمثِّله المجلس العسكرى، حصن أمان. فاطمأنوا إلى ذلك، إلى حين، وراح بعض الكتبة «وليس الكُتَّاب» يروِّجون لفكرة بقاء العسكر فى الحكم، لأنهم الأقدر على الأخذ بزمام الأمور، ولأن الجيش المصرى جيش وطنى (كأن أحداً يظن أنهم مرتزقة!) وأن المشير يسير بخطا الواثقين، ولا بأس من اختياره رئيساً لمصر بدلاً من هؤلاء «المحتملين» غير المحتملين.. وترقَّب الناسُ.
وطفرت فجأة أحداث ماسبيرو، التى لا أعرف فى مصر أحداً يستطيع أن يجزم بحقيقة ما جرى خلالها، أو يقتنع بأن الأهوال التى جرت كانت مصادفةً، أو وقعت من دون تدبير. وليلتها تعالت الدعوات الإعلامية (الحكومية) للناس، بضرورة النـزول إلى الشوارع لحماية الجيش!
ونقلت الشاشات صوراً للاعتداء على الجنود، فكانت النتيجة الضرورية لذلك هى افتقاد الشعور العام بالأمن العام، مع إدراك أن قوات الجيش لن تقدر على ضبط حركة الناس فى المدن. وهو ما كنتُ قد أشرت إليه قبل شهور، فى مقالة نُشرت هنا بعنوان «حيرة الدبَّابة عند طنين الذبابة» وفى مقالات أخرى صرَّحت فيها بوضوح بأن حياة المدن تفسد الروح العسكرية. وبدلاً من استبشار المصريين بالحصول على «الحماية» تحت جناح العسكر، راحوا يتشككون فى نوايا «المجلس» وفى ضمير «الجالسين» .. وترقَّب الناسُ.
ومع امتلاء ميدان التحرير، ترقَّب الناس. ومع الإعلان عن «أحفاد مبارك» بالعباسية بعد «أبناء مبارك» بروكسى، ترقَّب الناس. ومع فوران المطالب الفئوية فى عموم البلاد عند أول تباشير الاستقرار العام، ترقَّب الناس. ومع اقتراب موعد الانتخابات فى غمرة الغياب الأمنى، ترقَّب الناس.. وخطورةُ التقلُّب فى الترقُّب، تأتى من استحالة وضع خطط عمل حقيقية للخروج بمصر من اللحظة الحرجة التى تعيشها، وتأتى من عدم القدرة (بسبب التقلُّب الدائم) على تحقيق منجزات حقيقية تدفع بالبلاد نحو المستقبل، وتأتى من شيوع الضبابية وانعدام القدرة على الرؤية الواضحة.
بعبارة أخرى، ما دامت أفئدة المصريين تتقلَّب فى كل لحظة ما بين المتناقض من الأمور: ما بين الخوف والرجاء، ما بين التوجس المفرط والاستبشار المفرط، فإن حالة الذهول الذهنى سوف تظل قائمة.. وإذا ذُهلت الأذهانُ، والعقول، فلا مجال للعمل. وإذا توقف العملُ، الخطط المستقبلية، فلا مجال للتقدم، وإذا قعدت البلاد عن السعى إلى التقدم، والسير نحوه بخطى ثابتة، فلا مجال إلا للتخلف.
ما الحل؟ كما ذكرتُ فى مقالتى السابقة، فإن الأمراض تعالج بأضدادها، حسبما قال الحكماء القدماء: «الضد للضد شفاء». ومعنى ذلك أن نكفَّ بقدر المستطاع عن (التقلُّب) فى (الترقُّب) ونستمسك بمسارٍ محدَّد نضعه على رأس الأولويات، فإذا تمَّ أمرٌ شرعنا فى الذى يليه. وقائمة هذه الأولويات، حسبما أرى، هى الآتى: إبعاد العسكر عن المشهد السياسى فى أقرب فرصة ممكنة، تأمين الحدود، الإزاحة الفورية لمن بدا فسادهم، الإلغاء الفورى للموالد التليفزيونية، إطلاق المبادرات الفردية بأقصى طاقة لها (فالمقاول يبنى بيوتاً لسكان العشوائيات، والشرطى يحترم الناس فيحترمونه، تشجيع الشباب على رعاية أحيائهم السكنية ونظافتها... إلخ).
■ ■ ■
نأتى من بعد ذلك إلى النقطة الأخرى «مفهوم البلطجة» وهى تتصل اتصالاً وثيقاً بالنقطة الأولى، لأن ما يعتقده كثيرون من انتشار (البلطجة) يؤدى إلى ازدياد قلق (الترقب) الذى يؤدى بدوره إلى انتقال الحال المصرى العام من الثورة إلى الفورة، من العمل الجماعى إلى القلاقل الفرعية، من الكلى إلى الجزئى.. وبطبيعة الحال، فإن الصورة التليفزيونية المصرية خصوصاً والعربية عموماً، لم تدَّخر جهداً فى تقديم وهم «البلطجية» للمشاهدين على طبق من (فضة) على الشاشة (الفضية) التى لا يكف ضيوفها عن النعيق والزعيق طيلة الوقت، اللهم إلا فى وقت : الخروج إلى فاصلٍ إعلانى، ونعود!
وفى واقع الأمر، أرى أن «البلطجة» المزعومة فى مصر، هى محض وهم كبير شارك كثيرون فى صنعه، لأغراض متعدِّدة لن نخوض فيها الآن.. فدعونا، معاً، ننظر فى هذه اللفظة (بلطجى) ومعناها، لنعرف حقيقة هذا المفهوم الذى تم الترويج له، بكثافة لافتة، عقب قيام الثورة المصرية فى يناير الماضى:
من حيث الشكل، فإن كلمة «بلطجى» هى مفردة تركية الأصل، يستعملها العامة فى مصر على نحوٍ مخالف لمفهومها الأصلى. فالبلطجى من حيث اللغة التركية، هو حامل «البلطة» الذى يتولى تنفيذ حكم الإعدام، أو يخرج مع الجنود للقتال مستعملاً سلاحه ثقيل الوطأة. وعلى المعنى ذاته جاءت مفردات: عربجى (سائق العربة)، حملجى (الخارج مع حملة الأمن)، قلعجى (جندى القلعة)، ثورجى (محترف الهياج)، قهوجى (صانع القهوة)... إلخ. وبالطبع، فهؤلاء الموصوفون بالبلطجية لا يحملون فى أيديهم بالضرورة بلطة، أى أنهم من حيث ظاهر اللفظ ليسوا بلطجية.
أما من حيث المعنى وهو الأهم، فإن مفهوم «البلطجى» هو الشخص الذى يعتمد على قوته البدنية من أجل تحصيل المال بانتظام ممَّن يقومون بأعمالهم، ويحتاجون حمايته أو يدفعون عنهم أذاه بتقديم قدر من المال. وقد رأينا صوراً لهؤلاء «البلطجية» فى بعض أعمال الأستاذ نجيب محفوظ، خاصة فى (الحرافيش) والذين عاشوا فى مناطق شعبية قبل عقود من الزمان، لابد أنهم رأوا ظاهرة البلطجة عياناً، لأنها كانت منتشرة آنذاك.
والعجيب فى الأمر، أن «البلطجى» بمفهومه الكلاسيكى لابد أن يكون حريصاً على استقرار الأعمال، وإلا لن يحصل على المال ممن يقومون بأعمالهم! ولابد أن يحقق الحالة الأمنية فى الحارة أو الشارع أو المنطقة التى يقوم فيها بدور البلطجى، وإلا ساد الاضطراب واحتاج الناسُ إلى بلطجى آخر يقوم بما عجز عنه البلطجى الذى انتهت صلاحيته! ولابد أن يمتاز البلطجى ببعض المزايا الخلقية، على الرغم من اعتماده على قوته البدنية وقوة أتباعه، وإلا انتقل من خانة «البلطجى» إلى خانة «الإجرام».. والبون شاسع بين هذا وذاك.
فهل الذين يهددون أمن الناس فى مصر، اليوم، بلطجية بهذا المفهوم؟.. بالطبع لا، فما هم فى واقع الأمر إلا خليط يجمع بين الفارين من السجون والهاربين من تنفيذ الأحكام (وهؤلاء مجرمون) وبين سكان العشوائيات الذين صاروا مع فقدان الأمل يكرهون المجتمع العام الذى ظلمهم (وهؤلاء معذورون) وبين الذين أسرفوا فى تناول المخدرات القوية فأقعدهم ذلك عن العمل مع إلحاح الاحتياج للمخدرات الطبيعية والكيميائية (وهؤلاء مدمنون) وبين صغار الشباب اليافع فى المناطق المهملة تنموياً، مع أنهم يجوسون خلال الديار فى المناطق المرفهة (وهؤلاء مظلومون).. أما الزعم بأن هؤلاء جميعاً بلطجية، فهو زعم لا يتوافق مع طبيعة لفظ «البلطجى» ومعناه الأصلى.
الليلة الماضية، السبت الموافق للسادس والعشرين من الشهر الجارى، كنت بمنطقة «سموحة» التى صارت منذ قيام الموجة الثانية من الثورة المصرية، مستقراً للكاميرات التى تنقل إلى الناس ما يسميه الإعلام (أحداث البلطجة) وكان معى صديق يسكن هناك، فجاء من يخبره بأن البلطجية يتجمعون خلف (زهران مول) استعداداً للهجوم على مديرية الأمن والشقق والمحال الفاخرة بالمنطقة، لكن الشرطة وشباب ثورة يناير وسكان المنطقة يستعدون لصدِّهم. طلبت من صديقى المهندس عبدالله نصر، أن نقترب من المكان، فوافق على مضض. فرأيتُ العجب:
هؤلاء الموصوفون بالبلطجية محض مراهقين بائسين يحملون فى أيديهم العِصِىَّ والسكاكين، وقوَّادهم يحملون أسلحة خفيفة. وليس فى هؤلاء (البلطجية) بلطجى واحد بالمعنى الحقيقى، فما هم إلا جوعى وجهلة ومتشردون ويائسون، عيونهم زائغة وأبدانهم شديدة الجفاف وملابسهم رَثَّة.. هم باختصار، ضحايا عصر مبارك الذين قاموا أو قام القريبون منهم، بالإغارة على «كارفور» القريب منهم، فنهبوا فى يناير الماضى برعاية الشرطة المنحرفة والمنحرفين من رجال الحزب الوطنى، كل ما وجدوه من أجهزة وأطعمة ما كانوا يحلمون يوماً بتذوقها، حتى إنهم يومها نهبوا الألبان والأجبان الغالية والرخيصة، والخضروات، ولا شك فى أنها كانت بالنسبة لهم لحظة فرح وانتصار وشبع من بعد جوع. فلما وجدوا ما يدعوهم لتكرار الأمر، خرجوا معه يحلمون بتكرار الأمر!
أما هؤلاء الذين يصدونهم، فهم «الشرطة» التى قيل لهم إنها انهارت، أو سكان الحى الذين قيل لهم إنهم «الحرامية الذين سرقوا البلد» و«أكلوها والعة» وإجمالاً هم الظالمون، أو شباب ثورة يناير الذين قيل لهم إنهم «شوية عيال خِرعة»... إلخ.
ولم تحدث مواجهات، فقد تجمع فى الظلام هؤلاء الموصوفون زوراً بالبلطجية (خلف محطة بنـزين سموحة) واجتمع أفراد الشرطة حول مديرية الأمن من دون أن يتقدموا، واجتمع سكان الحى وشباب الثورة حول ميدان فيكتور عمانويل.. وظل الحال، حيناً، ثم تبدَّدت الجموع!
■ ■ ■
وختاماً، إن وَهْم انتشار «البلطجية» لا بد لنا من إعادة النظر فيه من زاوية أخرى، غير تليفزيونية، ترى فى هؤلاء جانباً آخر.. لا يقلل من خطورة أمرهم، وإنما يمهِّد لتفكيك ظاهرتهم وتقليل ظهورهم، بدلاً من استعمالهم بخبث فى تعميق حالة التقلُّب فى الترقُّب، التى هى واحدة من أدوات «إجهاض الثورة وإبقاء الفورة».. فتدبَّروا.

البرلمان المصري

هناك أمور ملتبسة كثيرة في الفترة الحالية، و القلق مازال قائما، لا أستطيع أن أطمئن أن الأمور ستسير كما نأمل ... غير أن الانتخابات التي بدأت شيئ كبير ...  هل سنرى في مصر مجلسا للشعب يجلس فيه أشخاص قادرون على التفكير و التعبير و العمل من أجل الوطن؟ هل سنرى هذا؟ أشخاص مدركون أنهم في موقف مسئولية عظيمة، تتناول أمورا جليلة فيها مستقبل البلاد، و رخاء أهله .. و ليس تقديم وساطات أو الفخر الفارغ بالنفس .. نريد عقولا و قلوبا في البرلمان .. نريد أشخاصا ذوي رؤى .. يرون المستقبل و يسعون إليه، فإن هذا حق من حقوق كل مصري

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...