كان واحدا من أسباب الموافقة على التعديلات الدستورية في الشهر الماضي هو تسريع عملية التحول و الوصول إلى إقامة نظام فيه برلمان و رئيس و جيش متفرغ للحماية، فلقد كان التأخير يحمل فرص فتح المجال الأوسع أمام التدخلات الأجنبية ، و هي تدخلات ستحدث بشكل غير مباشر من خلال التفاهمات بين تلك القوى الأجنبية و بعض القوى في البلاد
و لقد تبدلت الاتجاهات نسبيا فصار من الممكن القول إن الاستفتاء لم يكن ضروريا، فالرفض و القبول فيه قد أوصلا إلى نفس النتيجة هي إعلان دستوري، يلغي صلاحيات الرئيس المخيفة، و يطمئن الجميع معنويا من ناحية دستور 1971، و هذا التحول جاء استجابة للرفض القوي و المخاوف من دستور 1971، و هو رفض له منطق و لكن يشوبه الكثير من الخوف غير المنطقي بل المرضي أحيانا كما قلت في مقال من قبل
و رغم أن التركيز الإعلامي كان على الحملات المنسوبة إلى التيارات الإسلامية لدفع المصوتين للموافقة على التعديلات، فإن الغريب أن القنوات الإعلامية و الصحف كانت محشودة في حملات تعبوية لرفض التعديلات، ظهرت فيها كل الرموز للجماعات الحزبية و الجماعات النشطة المختلفة، و بكثافة مريبة
و قد كانت الصورة مثيرة للقلق فلماذا كان كل هذا التخويف من الموافقة رغم أنه كان ظاهرا قبل التصويت أن النية متجهة إلى الإعلان الدستوري لا إلى إعادة تفعيل دستور 1971، و التعجب كان أشد من قوى الأحزاب القديمة التي لم تكن إيجابية من قبل و لا بناءة، خاصة و أن التعديلات كانت تحقق لهما أمالها المرجوة منذ سنين، في حين أن القوى الأخرى الجديدة و خاصة الشبابية كانت موافقة، و أنا هنا أعتمد على نتائج الاستفتاء ذاته لأقول هذا، فإنه عندما تكون مظاهرات الثورة بلغت 15 مليونا أو نحوها، فلاشك أن هؤلاء الثوار سيكونون أول المصوتين و النسبة الأغلب من المشاركين في الاستفتاء، فلما تأتي النتائج أن 4 ملايين فقط رفضوا فهذا يعني أن أكثرية شباب الثورة وافقت
و الآن عادت أحزاب الوفد و التجمع و الأحزاب الأخرى تلك، و بعض من ضيوف التليفزيون يمارسون الكلام غير البناء و الهدام أحيانا برفض الإعلان الدستوري، أو على الأقل إبداء الأسى على كيفية إدارة الأوضاع ، و رغم أن الاستفتاء أثبت أن أولئك المتكلمين و الأحزاب المتكلسة و قوى أخرى ليس لها الحضور و لا التأثير فإنهم لا يتعلمون الدرس أبدا، ( و أشير مثلا إلى التوقعات أن حزب الوفد قد يرشح أحمد شفيق رئيسا للجمهورية، و إلى كلام رفعت السعيد و بعض الوفديين عن اعتراضهم لأن أحدا لم يستشرهم في محتوى الإعلان الدستوري) هكذا ، فالرفض و الاعتراض هنا بالفعل رفاهية و يبلغ حد الإدمان، فهم معارضون بالمهنة لا بالمبدأ و الرؤية الاستراتيجية، و هم لا بقدمون البديل الواضح
إن دافع كلامي الآن هو التأكيد - لنفسي على الأقل - أنني إنما أريد أن أجد النظام في مصر و قد تكون، من برلمان و رئيس و حكومة و دولاب عمل متكامل، ليقود البلاد نحو المستقبل، و أسعى مؤيدا لكل ما من شأنه تقريب ذلك، فإنه لا يصح أن نبقى حيث نحن
و لقد قال وزير الدفاع الأمريكي في مصر الأسبوع المنقضي إنه لا ينبغي التعجيل بإجراء الانتخابات البرلمانية و لنفس المبرر الشائع بين الأحزاب هنا و الذي هو إعطاء الفرصة للأحزاب الجديدة و القوى الناشئة، و لكن إن كان هذا القول مقبولا من الأحزاب المصرية و بعض الجماعات الأخرى لأنهم لا يستطيعون استيعاب الظروف دون تأثيرات المخاوف النفسية المترسبة فيهم و لتعقيدات عدة في أحوالهم و توجهاتهم، و لأنهم بشكل غريب يظنون أن أحزابا جديدة ستستطيع أن تكون مستعدة للمشاركة في الانتخابات و البرلمان في أول شهور وجودها ثم هم لا يصفون كيف لقوى مثل هذه أن تكون فعالة بدون الخبرة و بالتحديد في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية - أو ربما هم يظنون أن الانتخابات من أجل المستقبل مجرد مباراة رياضية تحتاج الفرق فيها وقتا للاستعداد
إلا أن مثل هذا القول من وزير الدفاع الأمريكي مثير للاهتمام، و لا أستطيع التعامل معه بنفس المنطق، و لكني أجدني أعود لأفكر في أن تأخير الانتخابات يعطي للقوى الخارجية الفرصة للتدخل و التأثير، و لنؤجل قليلا الكلام عن القوى الداخلية المقلقة، فها قد ظهر الحزب الوطني علانية من خلال الفيسبوك، و تعالت الأصوات التي لا ترى أن هناك خطوطا حمراء في معرض الكلام عن الهوية المصرية و توجهات المستقبل و تزايدت مشكلة تهور بعض الجماعات السلفية، و حقيقة صار عدم اكتمال الوجود الشرطي مؤثرا - و بذكر القوى الخارجية فالمقصود هنا بالتأكيد هو الولايات المتحدة، و التي لا يخفى قلقها من التوجهات الجديدة للخارجية المصرية، التي تبدو عليها الاستقلالية نسبيا، فقد كان مرور السفينتين الحربيتين الإيرانيتين في قناة السويس لافتا، و كان تحذير وزير الخارجية إسرائيل من العدوان على غزة مختلف النبرة، خاصة و أن مصر يسرت الحركة عبر معبر رفح و سمحت لقادة حماس بالحركة، إضافة للتصريحات الودية نحو إيران و عدم اعتبارها بلدا عدوا، و تصريحات أخرى لوزير الخارجية فيها مسئولية أكثر نحو الأوضاع في المنطقة كانت مفتقدة في العهد السابق، و يضاف إلى هذا كذلك زيارة رئيس المخابرات الجديد إلى سوريا، و لا يمكن إلا أن نشير و بتقدير كبير إلى زيارة رئيس الوزراء إلى السودان، و يأتي قانون الأحزاب الجديد ليفتح الأبواب أمام مشاركة كل مخلص و قادر من أبناء مصر
هذه الأحداث القليلة لها دلالة مهمة على أن إمكان تحقق استقلالية القرار المصري غير بعيد، و مع الصحوة و الوعى القائم بين جميع طبقات الشعب و شرائحه فإن الفرصة كبيرة في أن يتم انتخاب برلمان قادر على أن يمثل مصر التي غابت عن دورها في العهد السابق، و يجعلنا هذا نريد أن يكون لدينا البرلمان و لدينا الرئيس المنتخبين منا، ليعملوا تحت رقابتنا من أجل المستقبل، فإن كل تأخير يبعد المستقبل عنا و يخلق العقبات في الطريق إليه