الثلاثاء، سبتمبر 19، 2006

الخطوة التالية !!

ينبغي علينا أن نفكر في الخطوة التالية ، بدلا من مجرد انتظار أن يتعطف بابا الفاتيكان باعتذار ، فمن الواضح تماما أن كلامه كان مقصودا ، و هو ما يقول به الكثيرون من المسلمين مثل الشيخ القرضاوي ، و يقول به أيضا غير المسلمين من الكتاب في أوروبا و أمريكا.. و حتى من يدافعون عن بابا الفاتيكان فهم يدافعون بأن ما عبر عنه من أسف لرد فعل المسلمين يكفي ، أي أنهم لا يتناولون مضمون الكلام، و هنا نقطتان:

الأولى أن هناك استهانة واضحة بالمسلمين الحاليين ، إذ على المسلمين أن يرضوا بأن البابا يؤسفه أنهم غضبوا من كلامه و ألا يحاولوا الوصول إلى ما هو أكثر

الثانية هي أن هذه الاستهانة يؤكدها سلوك المسلمين أنفسهم ، فما الحكمة في أن تكون كل ردود الأفعال ، و الدعوات إلى المظاهرات ، و التحركات الدبلوماسية - أن يكون كل هذا لمجرد أن يقول لنا بابا الفاتيكان "أنا آسف على ما قلت و سوف أحذفه من المحاضرة" ... ما الذي سيتغير؟ إنه من الواضح كما سبق أن البابا لن يغير عن قناعته ، و الأدلة على هذا هي مواقفه السابقة من الإسلام التي تم تداولها هذه الآيام ، و كذلك تعليقات وردت في مقالات كتبها أوربيون كان من آخرها ما قيل اليوم في روما و أسبانيا من أن البابا قد نسف جهود البابا السابق بكلمته هذه ، و مع هذا فلم يكن هذا النسف عن طريق السهو بل كان تعبيرا عن سياسته التي لخصوها بالقول "دبلوماسية أقل و إنجيل أكثر" .. و المعنى واضح ، فالبابا الحالي سيكون أكثر صراحة و لن يجامل أو يتجمل ، و ما وراء ذلك من معاني واضح أيضا ، فالحروب الأمريكية "على الإرهاب" كما يدعون ، و تعاون المسلمين أنفسهم معها قد محى أي مهابة للمسلمين من قلوب غير المسلمين ، فلا داعي إذن للتجمل في الكلام عن المسلمين و إليهم ، و ثانيا فإن الدبلوماسية التي اتبعها البابا السابق لم تكن إلا دبلوماسية ، أي لم تكن إلا غطاء خارجيا لقناعات لا داعي لظهورها..

الآن صار ظهور هذه القناعات ممكنا ، لأن المسلمين لا يملكون الرد عليها إلا بالغضب و طلب الاعتذار ..

فما الذي يجب عمله؟ .. و أؤكد على كلمة "عمله" فإن الكلام لا يؤدي إلى شيئ ، و الغضب الذي يتكرر من وقت لآخر ثم يسكت يفقد قيمته.
إن هناك اجتماعات تجري بين الديانات في الفاتيكان .. هناك ما يسمى حوار الأديان ، و لا أظن أن مثل هذا الحوار مفيد أو له معنى بعدما نسفه بابا الفاتيكان ، فليعلن المسلمون امتناعهم من مثل هذه الحوارات ، و يدعموا هذا بالدراسات و الأبحاث التي تشرح و توضح الإسلام ، و تشرح و توضح المسيحية ، و يتم نشر هذا على كل المستويات ، و المقصود هو أخذ زمام المبادرة ، بالبدء في التعبير عن الذات على أساس القناعات التي يقوم عليها الإيمان بالإسلام ، فإذا كان لابد من حوار مع الكاثوليك على وجه التحديد ، فليكن هذا الحوار بمبادرة من المسلمين لا من الفاتيكان ، يجب أن نكون أقل دبلوماسية مما نحن عليه في هذا الحوار ... لقد كان مما قيل إن بابا الفاتيكان أراد وضع شروط لمثل هذا الحوار بالكلام الذي قاله ، أي أراد وضع المسلمين في موقف الدفاع قبل أن يتحدث إليهم ، و هو يمثل دينه في مثل هذه الحالة و لا عجب في أن يحاول فعل هذا ، و لكن علينا نحن المسلمين أن نكون أكثر فطنة ، فنعمل من أجل تحويل الأمور لصالحنا ، و إن تاريخ الكاثوليكية الدموي يساعد على هذا ، فنشر البحوث عن ذلك التاريخ و ربطه بالواقع القائم هو التصرف الأفضل ، لوضع الفاتيكان في موقع الدفاع ، و ٌٌإثبات إن العقل مازال موجودا و عاملا لدى المسلمين.

إن الغضب و طلب الاعتذار لا يفيد ، و لا يجب أن يكون إلا رد الفعل على المدي القصير ، أما الرد طويل المدى فهو ، على ما أظن يبدأ ، بما قلته

و لنذكر هنا خلاصة بحث نشره الباحث الفرنسي شارل جينيبير، في كتاب "المسيحية نشأتها و تطورها " الذي ترجمه الدكتور عبد الحليم محمود منذ نحو خمسة و عشرين سنة ، و لقد كانت خلاصة الباحث هي أن أوروبا لم تكن في يوم من الأيات تتبع التعاليم التي أتي بها السيد المسيح ... و تلك بداية مناسبة للتحدث عن تاريخ مسيحية أوروبا و نشرها بصورة أكبر على الملأ .. فإن الكاثوليكية على وجه التحديد غير مؤهلة لانتقاد الإسلام ، و لكن المسلمين يسمحون لها بذلك بل و يضعونها في المكانة الأعلى بالانتفاض و الصراخ طلبا للاعتذار من زعيم الكاثوليك ... و كأننا نطلب من بابا الفاتيكان صك صلاحية و غفران

إن المفكر الفرنسي الجليل رجاء جارودي قد انتقد ثقافة الغرب جامعة كأعمق ما يكون الانتقاد في كتابه "أمريكا طليعة الانحطاط" ، و كان مما قاله ، و هذا قبل عقدين أو أكثر من الزمان - إن كنائس أمريكا اللاتينية الكاثوليكية و بعض أفريقيا أخذت تنأى بنفسها و تتباعد عن قيادة الفاتيكان ، بينما نحن المسلمين نسعى لرضا الفاتيكان ...

لا يجب أن نهتم كثيرا باعتذار لن يأتي ، و لكن الذي يجب أن نهتم به هو أن نكون في موقف لا يجعل أحدا يتجرأ على التعدي علينا، و هذا يكون بأخذ المبادرة ، بنشر الأفكار و توضيح القناعات ، حتى نفسد على كل مضلل و انتهازي محاولاته للتطاول على الإسلام ، إذ كيف سينخدع أحد بكلام بعض المغرضين إذا كانت المعارف الصحيحة واضحة و متاحة و يجري الكلام فيها طوال الوقت ، و كمثال فلقد استمع لكلام بابا الفاتيكان ربما عدة مئات من الملايين ، و لكن هؤلاء لم يسمعوا إلا عن المسلمين الغاضبين و عن اغتيال راهبة في الصومال و الهجوم على كنائس في غزة .. أي أنهم سمعوا و رأوا ما يؤكد كلام البابا ..

إن هذه حرب أفكار و تواجه بنشر الأفكار عن الإسلام و عن غيره حتي لا يستطيع مضلل أن يدعي ما يريد.

نحن بلا ذاكرة ، و أفعالنا دائما ردود أفعال لا مبادرات ، و هذه خطيئة في حق الدين الذي نؤمن به ، غير أني لا يغيب عني واقعنا السياسي المؤلم ، و لكن لا أظن أنه يصعب القيام بالمبادرات رغم هذا ، و الإسلام مازال ينتشر في أوروبا و أمريكا ، و لكن يحتاج إلى الدعم الإعلامي و هو سلاح ناجع في عصرنا الحالي ، و يكفي الانتباه إلى تلك الصحف و الإذاعات و القنوات الفضائية التي تحاصرنا في بلادنا طوال الفوت محاولة تغييرنا لنكون كما ترضى أمريكا و أوروبا - يكفي أن نذكر هذا لنعلم كيف نبدأ.

إنها حرب و في الحروب لا يجب أن نغضب لأن الخصم يحاول أن يهزمنا ، و لا أظن أنه يجوز طلب الاعتذار من الخصم في الحرب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...