إن نبوءة الرسول عن الرويبضة يتكلم في
الشأن العام، معجزة .. فإن بلوتنا الآن هي هذه، هم القوم الذين ظنوا أنهم علموا و
سوف يصححون لنا كل معارفنا، الذين يبدأون الكلام لإثبات خطأ من سبقهم، و تسفيه ما
عملوه، و الحط منه، و إن علامة العالم الحق أنه يجل العلم و العلماء .. و لو أن
هؤلاء الرويبضات ابتغوا العلم حقا لكانوا أشد الناس احتراما لمن سبق من علماء، و
لتحرجوا عندما يجدون عالما سابقا قد أخطأ بحسب ظنهم، فيصححونه مع إعطائه حقه الذي
جعله الله له على لسان رسوله الكريم، إذ علمنا أن من اجتهد فأصاب فله أجران و من
اجتهد فأخطأ فله أجر واحد
لكن أولئك الرويبضات يتعلمون ليحطوا من
أقدار العلماء، و إنه بعينه طريق الهوى و الضلال، فمن بدأ لغرض ما إلا غرض التعلم،
فإنه يضل، قال تعالى: " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم
على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون" (
الجاثية 23 ) .. فالله يضله و لديه العلم كمثل الحمار يحمل أسفارا، و لو أنه ابتغى
معرفة الحق، لزالت الغشاوة، لكنه عبد هواه، و الله أغنى الشركاء عن الشرك، فهو
تعالى يختم على قلبه و على سمعه و بصره فيكون العلم الصحيح بين يديه و لكن لا
يهتدي به بل يزداد ضلالا، فكيف لهذا أن يهدي غيره ؟!!
لابد من خطوط حمراء للتعامل مع علوم
الدين، فإنه الدين و ليس الأراء و الميول، و الدين بالاتباع لا بالهوى، لأنه أتانا
على يدي رسول من الله، فنحن نتبع الرسول و العلم الذي جاء به جيلا بعد جيل، و قد
قال تعالى في سورة البقرة: "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم من هدى فمن
تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون، و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة 38-39)
فإننا أمام أمرين: اتباع الهدى أو
الكفر .. ربنا آمنا بما انزلت و اتبعنا الرسول ..
فليكن المبدأ الحاكم هو الاتباع، و في إطاره يكون الاجتهاد في
كيفية الممارسة و التطبيق، فالله تعالى قد أكمل لنا الدين، فهو لا ينقصه شيئ، و ما
علينا إلا الالتزام به في كل الأحوال، فنتبع التابعين الذين سبقونا بالإيمان في
اتباعهم، و نجتهد و نبدع في إطار هذا المبدأ الحاكم، و ما الدين إلا قيود فرضها
الله علينا، فإن تدبرناها و سعينا فيها حتى تتوافق مع هوى أنفسنا فلنخف على
أنفسنا، لا يجوز أن نحاول أن نجعل الدين يتفق مع العصر القائم أو أي شيئ آخر، إنما
علينا أن نتفق نحن و أن تتفق العصور كلها مع الدين
و لندعو الله ألا يجعل في قلوبنا غلا
للذين سبقونا بالإيمان .. فمثل هذا الغل يحول البعض منا إلى رويبضات .. و إن كان
لابد من شعور ما فليكن الغل على ضعفنا في هذا الزمن الذي جعل الالتزام بالدين
صعبا، فاللهم املأ قلوبنا بمحبة من تحبهم، و اجزهم الله عنا خيرا فيما حفظوه و
نقلوه لنا من دينك و علمونا إياه، و أعنا الله على اتباعهم، و علّمنا اللهم ما لا
نعلم و احفظنا من هوى النفس و من وساوس الشياطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق