الأربعاء، مارس 16، 2011

الرفض عرض لاختلال نفسي و الموافقة ثقة في النفس

كنت منذ إعلان مضمون التعديلات الدستورية موافقا عليها، و قد وجدت أنها تتيح إجراء انتخابات نزيهة مضمونة الصحة، و تفتح الباب لانتخاب رئيس جديد، و تقرر أن دستورا جديدا سيتم إنجازه، فكان هذا كافيا، فما هو المطلوب بعد ذلك، فلسوف يوضع دستور جديد للمستقبل، و القرارات عادت بين أيدي الناس في الانتخابات .. و لكني وجدتني أفكر في تفضيل انتخاب رئيس قبل البرلمان، على أساس أن البرلمان سيشوبه وجود بعض من رجال النظام السابق بحكم القدرة المادية و الخبرة بالأوضاع القائمة، و أمور الانتماءات العائلية و التحالفات و الصلات المماثلة التي سادت فيما سبق، بجانب نسبة الخمسين في المائة عمالا و فلاحين، فهذان العنصران خطيران و لن يساعدا على رفع جودة البرلمان، و قال البعض إن رئيسا جديدا أولا سوف يكون فرصة للاستبداد بما أن دستور 1971 مازال هناك، و كنت أرى أن انتخاب شخص واحد أسهل من انتخاب برلمان، فالمرشحون سيكونون تحت الأعين و لا توجد فرصة هناك لنجاح الرجل الساعي للاستبداد مادام الشعب يراقبه و سوف يستمر يراقب من يفوز كذلك ... غير أن واضعي التعديلات رأوا أن البرلمان أولا فلا مجال لتلك الفكرة الآن

و لكن فوجئت بالمعارضة العالية الصوت و كأن الكارثة ستقع، و تتلخص المعارضات في ما يلي:

 البرلمان سيملكه الأخوان و الحزب الوطني و لن تستطيع القوى الأخرى المنافسة لأنها غير مستعدة بعد
 دستور 71 لا يجب أن يبقى و فيه صلاحيات الرئيس كما أنه ستكون فيع تناقضات سيئة جدا
 الخوف من انحراف الرئيس أو البرلمان و عدم وضع دستور جديد يكون فيه المراد

و لقد تسرب الخوف إلى قلبي حقا، فالثورة المضادة صارت ظاهرة و معترفا بها، و إمكان وصول الحزب الوطني و لو متخفيا و بدرجة معتبرة لا يمكن التقليل منه، و استمرار مبادئ الاستبداد في دستور 71 حقيقة

في المقابل فإن رفض التعديلات سيعني أن نبحث عن بديل آخر سيكون غالبا إعلانا دستوريا و الإلغاء الكامل لدستور 71، ثم تتم الانتخابات، فكأنه فقط تأجيل للأمور، للتخلص من إحساس نفسي و السلام ... و قد فكرت بالفعل لماذا لم يحدث ذلك الإعلان الدستوري منذ البداية، و جرى تفضيل المنهج الذي وضعه الرئيس السابق للتغيير ..و لكن نحن أمام الواقع و لنتعامل معه

و رغم الإحساس بالقلق، فقد بقيت موافقا على التعديلات، و هذا بالدرجة الأولى اعتمادا على الثقة بأن الشعب يراقب الرئيس و البرلمان و لن يسمح لهما بالتحول للاستبداد، ثم إن البرلمان بمجرد انعقاده سوف يبدأ في تنفيذ آلية إعداد الدستور الجديد ليلغي ما نخاف منه في دستور 71، فهل نحن بهذه الدرجة من الهوان حتى يتلاعب بنا مرة أخرى الرئيس و البرلمان، و نحن الذين سننتخب هذه المرة حقا، و الخبرة تقول إن الاستبداد لا يحدث في عامين أو اثنين أو حتى أربعة فالخوف كثير و يكفي هنا أن نتحدث عن القلق و الحذر بما يدفعنا للمتابعة الواعية و كفى

و أنا لا أخاف كما يخاف الكثيرون من الإخوان ثم إنهم قرروا ألا يسعوا إلى الأغلبية أو الرئاسة، أما وصول بعض من بقايا الحزب الوطني، فسوف يواجهه رفض الناس، و لن يسهل أن يتخفى هؤلاء، و أستبعد أن يفوزوا بالأغلبية، كما أنهم لن يتسموا بالحزب الوطني، و نحن الشعب أصحاب القرار .. فلا يجب أن نخلق لأنفسنا فزاعة جديدة ، و لا يجب أن تبقى فزاعة الإخوان بعدما زال النظام الذي صنعها

أما أن القوى السياسية غير مستعدة، فهو عذر قبيح، فأية أحزاب هذه التي تريد فرصة بينما كان لها في الوجود سنون طويلة و بقيت فاشلة منعدمة، فما رفضهم إلا إثبات لانعدامهم و ضعف ثقتهم بأنفسهم و بالناس في مصر، و هو أيضا علامة قوية على تشوه نفسي على المستوى الجمعي لاتجاهات و منظمات سياسية، من جراء القهر و الرضا بالاستئناس لعقود من السنين، و المدهش أن هذه الأحزاب و "القوى" السياسية تريد حكم الجيش إلى أن يتأهلوا للممارسة الديمقراطية .. و لا تعليق على مثل هذا الطلب إلا أن نذكر مقولات أحمد نظيف و عمر سليمان بشأن عدم نضج المصريين .. فهل لهذه الدرجة كانت تلك الأحزاب و الحركات العقيمة خانعة للنظام حتى أنهم يرضون منه بتلك السبة بل و يقومون هم بإثباتها؟ عجيب .. عجيب

و هناك من يقولون إن بعض الجزئيات مرفوض و خاصة القيود على مواصفات الرئيس ، و هؤلاء غير قادرين على النظر إلى المستقبل أبدا، فهم أولا يعارضون لأنهم يريدون شخصا محددا أو غيره، و هذه سوءة تحاكي فكر ترزية القوانين في الزمن البائد، ثم هم ثانيا لا يفهمون أن دستورا جديدا سيوضع و يمكن فيه بعد أن يكون الاستقرار قائما أن نصوغه بما يحقق التوافقات كلها، فكأنهم مازلوا لا يفهمون أن تغييرا قد حدث و أن الرئيس القادم لن يبقى للأبد، و بالتالي فلو أن لديهم من يرغبون فيه فقد تكون له الفرص بعد سنوات، أو أنهم ربما مقتنعون أن الرئيس لن يترك الرئاسة أبدا .. و أن كل ما نحن فيه إنما هو لاختيار رئيس و برلمان مرة واحدة ثم نعود لما كنا فيه من قبل .. أي عقول هذه؟

و من أكثر ما لفت الانتباه هو أن الدكتور أحمد كمال أبو المجد يرفض التعديلات، بينما كان هو وافق على رئاسة لجنة التعديلات التي كان شكلها الرئيس السابق، و يرفضها أيضا البرادعي و عمرو موسى و أيمن نور و هشام البسطويسي حمدين صباحي و لأذكر عمرو خالد أيضا و هم بعض المترشحين ... حسنا، فرغم ما يبدو في رفضهم من مثالية زائدة و تفكير بعيد قليلا عن الواقعية، و أحيانا مجاراة للجو العام و حسب، فإن من الممكن أن يفوز منهم واحد ثم يبذل الجهد لإعداد الدستور الجديد و مقاومة نفسه ضد الاستبداد ... لابأس في رفضهم

الخلاصة ما هي؟ مزيد من التشتيت .. و استمرار لوضع مضطرب يتيح للثورة المضادة المزيد من الوقت .. نحن جميعا ندرك عوامل القلق القائمة في العملية الانتقالية، إذن هيا بنا نسير فيها على حذر .. و هيا نستلهم روح الثورة بأن نغير بأيدينا بدلا من أن نطلب التغيير، فالرفض معناه طلب التغيير من الجيش و مطالبته أن يحكمنا حتى ننضج (أو حتى لا يحكمنا الإخوان ... استمرار فعالية الفزاعة)، أو لأننا كنا غير جادين في البحث عن تغيير النظام (نضال الصالونات و الفضائيات و الكلمات و الأحزاب الكرتونية) فلما وجدناه خفنا منه و نريد أن نتنصل من المسئولية ... نريدها سهلة يقوم بالجهد فيها غيرنا .. يا سلام

إن ثلاثين عاما أمرضتنا أمراضا مستعصية في العقول و النفوس و جعلت الخوف في داخلنا و ليس من المخاطر حولنا .. تلك هي المشكلة

هناك 3 تعليقات:

  1. بجد مقال جميل جدا وانا متفق معاك في كتير منوا بس اختلف في ان فعلا الاحزاب محتاجه فتره عشان تقدر تنتشر في الجماهير والشعب الي لسا مش عارف يعني ايه حزب واهميه الحياه السياسيه عليه وعلي حياتوا
    نسبه كبيره من الشعب وحتي المتعلمين لسا مبتدئين في السياسه واول مره نسمع ان في احزاب ولازم كل واحد ياخد وقته انوا يعرف كزا حزب وبرمجه واهدافه
    مقدرش انا او غيري ننضم لحزب من غير منسمع اراءه واتجاهاته هوا واكتر من حزب تاني عشان نقرر
    يعني فعلا محتجين وقت
    ثانيا انا مش شايف ان في مانع اننا نستغل فرصه اضمن وافضل في اننا نغير الدستور لان الثوره اسقطت بالفعل دستور 71 يبقي اعترافا بالثوره نرفض التعديل علي دستور موقوف حاليا
    وفعلا الخوف من انتخابات الشعب والشوري حقيقي لان الحزب الوطني بامكنياته الماديه وقزرته المعروفه مش هيسمح بانوا يتلغي بسهوله من الحياه السياسيه
    ولو دخل اي حزب جديد ف منافسه مع الحزب الوطني ديه منافسه غير عادله لقله خبره وامكانيات اي حزب جديد بالنسبه للحزب الوطني
    انا رايي الشخصي ان لا لتعديل الدستور لان بنسمح بانتخابات مجلس شعب وشوري غير متاكفئه الفرص بين القوي السياسيه

    ردحذف
  2. اتفق معك فى كل ما قلته وأضيف أنه فى جميع الأحوال هذه تجربة جديدة ولا يهم أى السب نسلك بقدر أهمية خوض التجربة فعلا والوقوف على ايجابياتها وسلبياتها.
    بمعنى آخر سواء مضينا فى طريق الرفض أو طريق القبول سنصطدم بعقبات ... طبيعى جداً وأعتقد أن معظم الموجودين على الساحة وما اصطلح على تسميتهم بالنخبة هم أنفسهم لم يمارسوا هذه التجربة من قبل فكيف لأى منهم أن يتنبأ بالنتيجة
    على كل حال علينا المضى قدما مع اعتبار أن التغيير لن يتم فى وقت قصير وقد يمتد لآكثر من عام كامل أو حتى لأول فترة رئاسية وأؤيد تماما أنه لا يمكن العودة لما كنا عليه فى هذه الفترة لأن ما تم من استبداد كان حصيلة 60 سنة مضت بالإضافة الى تغير قناعة وثقافة الناس بأنه ذمام الأمور فى ايديهم
    أنا مع الموافقة على التعديلات حتى نتجاوز هذه المرحلة وننظر فيما هو قادم بعدها

    ردحذف
  3. أتفق معك في كل كلامك مع بعض التحفظ علي عدم خوفك من الأخوان فيجب علينا أن نخاف من كل من كان في نظام السلطة السابقة ليس الخوف الذي يدفع الي الجمود او الهجوم ولكن كما يقول المثل "خاف من اخوك" حيث انه يحب علينا ان نكون مستيقظين وواعين لكل ما يجري في الحياة حتي لا نكون مرة اخري مغيببن في هذه البلد العظيمة
    التعديلات لا بد ان تتم بطريقة منظمة وليست عشوائية فلابد من التأني قبل اتخاذ أي قرارات قد نندم عليها لاحقاً

    ردحذف

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...