الاثنين، يناير 09، 2012

القضاء والجامعة والأزهر

نشرت هذه المقالة في صحيفة "المصريون" القاهرية في العدد 50 بتاريخ 9 يناير 2012، كما ظهرت في موقع الصحيفة الإلكتروني في العنوان الآتي:


و هي هنا منشورة كاملة إذ تم اختصارها في الصحيفة للأسف

القضاء والجامعة والأزهر

منذ الأسابيع الأولي للثورة كنت أرى أن منظومتي القضاء و الجامعة هما نقطة البدء الصحيحة في طريق إصلاح بنية المجتمع المصري، و أتعجب من سهوي أنذاك عن منظومة ثالثة، تشكل مع تلك الاثنتين الأسس الأولى بالاهتمام لدفع طاقة إيجابية بناءة دات قدرة على الحركة ذاتيا، في مجتمع مصر الجديد، و تلك هي المؤسسة الدينية  ... فإن الكثيرين يعولون على قوى و منظمات المجتمع المدني، لرقي المجتمع، إلا أن هذا المنطق يفتقد بعض الواقعية في ظروفنا الحالية، و لسنين قادمة، فنحن في مرحلة ترميم و إصلاح بنية هذا المجتمع، و هو ما يتطلب النظر في أسسه أولا، و ما اللغط الثائر حاليا عن منظمات المجتمع المدني إلا دليلا على ذلك، في حين تستطيع المنظومات الثلاثة المشار إليها أن تحقق المثير من المأمول

فمنظومة قضائية تامة الاستقلال نظريا و واقعيا هي حجر الزاوية في تحقيق التوازن بين المواطنين باختلاف درجاتهم و إمكاناتهم، بمعنى ضمان استقرار المجتمع بضمان العدل فيه، و العدل أساس تحقق جميع القيم العليا الأخرى، بما فيها قيم الحرية، و مبادئ و قيم العدالة الاجتماعية، و هو أساس الملك كما نردد.

و المنظومة الثانية هي منظومة الجامعة، التي يخرج منها الشباب صاحب الثورة، و تخرج منها جميع العقول و المهارات و الإمكانات التي يتم بها بناء باقي عناصر المجتمع و تحقيق المستقبل المنشود، و إن لذلك أساسين، هما أولا الحرم و المناخ الجامعي الصحي، و المحقق، نظريا و واقعيا، لما يجب له من مهابة و جلال، و ثانيا الأستاذ الجامعي الذي يقف أمام طلابه ليوجههم نحو كل التوجهات المأمولة، هذا الأستاذ الذي لابد له من حياة كريمة، و إمكانات ضرورية، قبل أن يقوم ليشكل لنا العقول و السواعد التي ستبني.

أما المؤسسة الدينية ممثلة في الأزهر باعتباره المنظومة الأساسية الثالثة، فقد نجح الأزهر في إبراز قدرته على توجيه المجتمع من خلال عدد من المواقف و الأعمال ذات الأثر، التي تمت في شهور ما بعد الثورة، كان أبرزها وثيقة الأزهر ، و إن لشعب مصر حاجة للأزهر، فكلما ردد علماء الاجتماع أن هذا شعب متدين بالفطرة، كلما صار واجبا دعم هذه المؤسسة، و يضاف إلى هذا أن دعم استقلال الأزهر التام، سوف يرشّد التيارات الدينية الأخرى، و الحاجة إليه تشتد مع تكون البرلمان، و ما ينتظر فيه من بعض المواقف التي قد تجرى لنقص الخبرة السياسية لدى البعض، و سوف يكون الأزهر المستقل مقبولا على الفور كحكم و مرجعية لهذه التيارات و لبقية التيارات الأخرى، في جميع مراحل الصراع التي سوف نمر بها لا محالة في الشهور و السنين القريبة.

في جميع هذه المنظومات الثلاثة، تظهر فكرة الاستقلال كأساس و هدف لما يجب تحقيقه، استقلال القضاء، و استقلال الجامعات، و استقلال الأزهر، و في مضمون هذه الاستقلالات الثلاثة، يأتي الاستقلال المادي أولا، فالدولة في العقود الثلاثة السابقة قد عملت على ضمان السيطرة على القضاء من خلال الانتدابات للمناصب الحكومية، و المزايا المادية التي تمت في إطار تبعية القضاء عمليا للسلطة التنفيذية، مما أوجد بعض الشكوك في نزاهة بعض الأحكام و بعض القضاة، و هي كارثة في ذاتها.

كما أهملت الدولة الجامعة و أساتذتها كليا، فلما بدء التفكير في تحسين أحوال الأساتذة، جاء ذلك مرتبطا بطريقة مهينة، بأداء أعمال و وظائف لها القدرة على تعويق أستاذ الجامعة عن مهمته الأساسية في البحث و التدريس، و أطلقوا على الأمر اسم مشروع ربط الدخل بالآداء، و هو شيئ عجيب أشد العجب و مناقض لفكرة الجامعة في ذاتها، لأن الجامعة و مراكز البحث تقوم ابتداء على أساس تفرغ الباحثين لمهامهم فيها، بضمان سبل العيش الكريم لهم، و توفير ما يحتاجونه فيما يقومون به من أبحاث بالوفرة التي يحددونها هم أنفسهم.

أما الأزهر فالأمر بدء بالسيطرة على أوقافه، و تحويله إلى جهة حكومية تتلقى ميزانية من الدولة، لتتحكم الدولة في إدارته، بل و في ما يقال على منابره، فوصل إلى درجة من الضعف و العقم، مهدت لنشأة كثير من الجماعات التي قامت لتسد الفراغ في الطبيعة المصرية المتدينة، فكانت كوارث شتى نعرفها جميعا، و بجانب ذلك فقد وقعت الدولة في الحرج بزعم دعمها للمساجد و التعليم الديني الإسلامي، دون الكنائس و التعليم الديني المسيحي، رغم الاستقلالية التامة للكنيسة، و لقد يكون هذا أحد المداخل إلى دوامات الفتن الطائفية خلال الثلاثين عاما الماضية، رغم أن الأزهر كان دوما في غنى عن الدولة، و لعل الدولة هي التي تتلقى الدعم من أوقافه، و الأمل أن العمل الدائر حاليا إعداد قانون جديد للأزهر يراعي الاستقلال المادي للأزهر.

إننا و نحن نتطلع إلى أول برلمان مصري حر، نأمل أن يتم وضع أسس المجتمع المصري الجديد .. إن قضاء مستقلا غنيا عن السعي المهين وراء سبل الحياة، هو ممر سريع نحو المستقبل، و الحامي لهذا الممر و ذلك المستقبل، كما أن جامعة تتوفر لها جميع احتياجاتها، بأساتذة أغنياء عن السؤال، هي مصنع عقول و سواعد أبناء مصر الذين سيبنون لها مستقبلها و يحمون وجودها، و الأزهر القائم شامخا في قلب البلاد هو صمام الأمان ضد شطط الفكر، و حائط الصد أمام فتن التقسيم، و هم معا طوق النجاة الذي يجدر أن تتمسك به السلطة الحاكمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...