السبت، سبتمبر 05، 2009

الدراسة المقارنة لتاريخ الدولة الإسلامية

لا أنسى ذلك الشاب الأمريكي في إحدى جامعات فلوريدا و الذي وقف و في صوته نبرة غضب من أن المسلمين رافضون حرب العراق و أفعانستان، و هم في التاريخ قد غزوا العالم، ثم إنه رجع عما قال لما ذكرته بأن روما كانت مدينة صغيرة و توسعت، و كذلك فعلت الأمم منذ البدايات و حتى الروس و الإنجليز و الفرنسيين، و نحن ندرس هذا في التاريخ فلا نجد مشكلة إلا عندما فعله المسلمون، و هذه واحدة

أما الثانية فهي أننا، المسلمين، عندما نقدم أنفسنا نحاول أن نقدم صورة للأمة المثالية التي تعلو على مستوى البشر، فيرتد علينا هذا عندما يرى هؤلاء البشر الأحداث المعاصرة و عندما يقرآون في التاريخ أخبار حروب المسلمين، فإذا بنا ندافع و نبرر مما يزيد موقفنا ضعفا

لقد حاولت المستشرقة كارين أرمسترونج التعامل مع غزوات المسلمين الأولى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت إن هذه كانت سلوكيات شائعة و معتادة في جزيرة العرب، بل إنها استخدمت لفظ "رياضة Sport" لوصفها، و هي تقصد أن تقول إن المسلمين غزو غيرهم و هو سلوك طبيعي بمقاييس الحياة ذلك العصر، و ليس هذا بدفاع قوي، بل هو دفاع من لا يجد دفاعا أكثر فاعلية، دفاع من لا ينكر التهمة، بل يقول و ماذا فيها: الكل يفعل ذلك، و هي أرادت الدفاع عن الإسلام و كان كتابها "الإسلام: تاريخ مختصر" كتابا إيجابيا، و لكن هذه الجزئية لم تصل فيها إلى الدفاع الأمثل، و ماتزال هذه الجزئية سببا لكثير من المشكلات، للمسلمين أنفسهم أحيانا، فنجدهم يعيدون النظر حتى في لفظ الفتوح الإسلامية، بل و يضعون أنفسهم محل البلاد "المفتوحة"، كمن قال يوما تخيل أنك في مصر، تمارس حياتك، ثم تفاجئك جيوش المسلمين تريد حكم بلادك و إدخالك في دين الإسلام

إن الأسلوب الأمثل هو التاريخ المقارن، ففي تاريخ الأمم جميعا نفس الأحداث و السلوكيات بصور متباينة، و هل هي سلوكيات مشينة؟ كلا إنما هي السلوكيات الطبيعية فيما كان يجري من وقائع و على أسس منطقية لها مذهبها و هو الذي نريد أن ندرسه، فإن أحدا لن يتحفظ عندما يقرأ أن أبا بكر قد عاقب بالحرق بعض قادة المتمردين من مانعي الزكاة و المرتدين، أو أن رسول الله قد أعدم سبعمائة من اليهود، فعندما ننظر لهذا الأعمال باعتبارها نتائج القانون القائم و أسس الحكم و الحفاظ على الدولة، فهي ليست أعمال تشدد و عنف، إنما هي العقوبات التي ناسبت أفعال من نالوها

ثم إن أحدا لن يتحفظ عندما يرى أن كل الأمم اتبعت القيم و الأسس ذاتها بأشكالها المختلفة في الحفاظ على وجودها، و استعملت العقوبات ذاتها، و في المقارنة سيهمنا أن نلاحظ الروح المصاحبة في توقيع العقوبة وهل هي روح التشفي و الاستعلاء و البغي، أم أنها روح الحكمة التي تعاقب من أذنب بما يناسب، ثم تتركه إلى خالقه

من هذا المنطلق يجب أن ندرس تاريخ الإسلام، لنتعلم لأنفسنا أولا، ثم لكيلا يكون لأحد علينا من سبيل يغوي به ضعاف النفوس، و قد يكون أن المشكلة تأتي من صعوبة أن يتخصص أحد في تاريخ أكثر من أمة من الأمم الكبيرة، خاصة لو كانت هذه الأمم متنافرة تاريخيا، فقد يوجد الدارس لعلاقات الفرس بالروم أو الإغريق بالرومان أو المسلمين بغيرهم، أو يوجد من يدرسون عناصر تاريخية بعينها بأسلوب الدراسة المقارنة، و لكن من الذي يدرس أحوال دولة المسلمين في ذاتها متخصصا و يدرس أيضا أحوال دولة الرومان مثلا في ذاتها متخصصا فيها، أو ربما نشأة دولة الولايات المتحدة، و معني دراسة الدولة أن يدرس أحوالها الاجتماعية و تطورها و نموها و نشأة و تطور نظم الحكم و السياسة بها بدرجة من التفصيل تصل إلى حد بحث عقوبات وقعت على أفراد و جماعات منها في بعض الأوقات، و دون أن يكون ذلك متصلا بأطراف خارجية، فإن إخراج الرسول عليه الصلاة و السلام لليهود مثلا تجري دراسته من منطلق علاقة الإسلام باليهودية لا منطلق تأسيس الدولة و العمل على استقرارها و مقاومة سلوكيات بعض الجماعات فيها، و كيف جرى مثل ذلك في الصين و السند و فارس و طروادة روما و دولة الإسلام إلخ ... فالمنطلق الأول لن يخلو من هوى لو كان الدارس غير مسلم أو حتى مسلما، أما الثاني فسيسهل فيه التجرد و البحث على أسس منطقية، إن هذا المنطلق الثاني هو ما نحتاج إليه الآن

نشرت هذه المقالة في جريدة عرب تايمز في الثاني من سبتمبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...