الخميس، ديسمبر 24، 2015

بحثا عن مخرج من الواقع العربي

نشرت في موقع www.huffpostarabi.com في ديسمبر 2015
و يمكن مطالعتها هناك في هذا الرابط


قبل أيام قال الرئيس التركي السابق عبد الله جول في إحدى جامعات الكويت، إن الإرهاب في الشرق الأوسط هو محصلة عقود طويلة من الاستبداد السياسي و الظلم و القهر الاجتماعيين المتداخلين مع جهل و فقر و تخلف حضاري ترزح في ظله شعوب المنطقة، و حذر من أن الشرق الأوسط إن لم يقم بحل مشكلاته بيد أبنائه فسوف يأتي الغرب و يحلها لنا بما يوافق مصالحه لا مصالحنا.

عادة ما يصف المراقبون الحركات المتشددة العنيفة بالأصولية، في حين أن الأصولية كفكرة ليست مرفوضة، و لكن المشكلة تحدث عندما تكون الأصولية متصفة بعدم القدرة على التعايش أو رفض التفاعل الإيجابي مع الواقع المحيط، و تحدث أيضا عندما تكون الأصولية هي المهرب الذي يلجأ إليه من لا يستطيعون أن يجدوا لأنفسهم مكانا في واقعهم.

و في الواقع العربي من الدوافع و المحفزات نحو الأصولية غير السوية ما يكفي و يزيد، من الدكتاتورية و الاستبداد و الفساد و الظلم، و الفقر الشديد في مكان و الغني الفاحش في آخر، و التعليم الذي لا يجدي نفعا في العموم، و زاد الطين بلة في العقدين الأخيرين، توسع وسائل الاتصال الحديثة عبر الإنترنت، و التي جعلت الواقع الحديث بسمته الغربي يغزو كل مكان و يستثير حماسة البعض أحيانا، و يستثير حفيظتهم في أحيان أخرى، و في كل الحالات يثير غيظهم و حنقهم من واقعهم الذي هم فيه، فتتباين ردود الأفعال و يصل بعضها إلى ما يسمونه الإرهاب الذي نراه.

فهل نحن المسئولون تمام المسئولية؟ لابد أن نكون مسئولين و لاشك، لكن يجب أن نفهم كيف نشأت ظروف حياتنا المعاصرة و كيف وصلنا إلى هذا الواقع المرير، و بجانب ذلك لا أريد أن أغفل تلك الرؤية التي تقول إن الإرهاب في الشرق الأوسط و البلاد العربية و الإسلامية المحيطة به إنما هو نتاج أعمال أجهزة الاستخبارات الأجنبية، و قد لا يمكن التدليل على هذا، إلا ببعض ظواهر الأحداث، و لكن فكما قال الرئيس التركي إن لم نحل مشكلاتنا بأنفسنا فسوف يأتون لحلها لصالحهم لا لصالحنا، و صالحهم غالبا لا يتفق و صالحنا، و قد ضرب الرئيس المثل بأفغانستان و العراق، و لم يكن يحتاج لأن يذكر أحدا بما يجري في سوريا، و لا ليبيا و لا اليمن، و لا فلسطين، و لألا يكون هذا مهربا من مواجهة الواقع، فالقاعدة هي أنه ما كانت أي قوى أجنبية تستطيع أن تفعل هذا بنا لولا أن الاستعداد للانصياع لهم متوفر عندنا، و أن الأيدي الفاعلة فعلا مباشرا هي أيدينا نحن.

قبل عقدين أو أكثر، قدم الفيلسوف الفرنسي جارودي تصوره لنشأة الأصولية المعاصرة، مرجعا إياها إلى مصدرين أساسيين، الأول هو قمع و اضطهاد أصحاب الهوية أو العقيدة الذين تنشأ فيهم تلك التوجهات الأصولية المؤدية إلى العنف في التعامل مع الواقع، و الثاني هو هيمنة و سيطرة الحضارة الغربية على العالم المستمرة منذ خمسة قرون، مع ما تحمله من قيم منفلتة و غير إنسانية بقدر كبير، و إنه لأمر يثير الاهتمام بشدة في أن تتزامن بداية الحركات الاستعمارية الغربية للشرق، مع بدء انتهاج الأفكار الليبرالية و الرأسمالية في بداية عصر النهضة الأوربية، فقد غزت أوروبا العالم و استغلته، بمنطق الرأسمالية و قانون السوق، فلما اضطرت للتخلى عن الاستعمار المباشر، وضعت من النظم الدولية، و من نظم الحكم في الدول التي كانت مستعمرة ما يضمن استمرار الهيمنة، على أساس اقتصادي، و تحافظ على ذلك مؤسسات كصندوق النقد و البنك الدوليين و ما شابههما، و التي تقيم في الدول الأضعف اقتصادات مشوهة تستهدف سداد ديون لا تنقضي، دون مصلحة الشعوب في الدرجة الأولى – هكذا قال جارودي في كتبه الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، و كيف صنعنا القرن العشرين، و الأصوليات المعاصرة.

و في النظر في تجربة النهضة التركية خلال السنوات الأخيرة، نرى بوضوح أن الاقتصاد كان القاطرة، و الهدف في الوقت ذاته، فقد انتقلت تركيا من شبه الإفلاس إلى أن تكون الاقتصاد السادس عشر عالميا، بالتركيز على الإصلاح الاقتصادي مع انتهاج أساليب الحكم الرشيد، و من تلك المكانة بدأت عمليات التغيير الاجتماعي و غيرها من الإصلاحات، بعدما تحررت من كامل الديون للمنظمات الدولية، و بدأت تعامل العالم بندية واضحة، و قدرة أكبر على التفاعل و المشاركة، و لعلنا لو استعدنا الحالة الماليزية في القرن الماضي سنذكر أن ماليزيا قد عبرت حاجز التقدم و التحضر عندما اجتنبت الانصياع لتوجيهات صندوق النقد و البنك الدوليين.

وقد احتل الغرب المنطقة العربية، فلم ينشأوا اقتصادا، بل أعدوها لاستنزاف ما فيها و لتكون سوقا لهم، فلم يقم اقتصاد في مصر مثلا إلا بمبادرات فردية كطلعت حرب و صحبه، و من قبل كان محمد على في مصر قد أنشأ صناعة و دولة قوية ناطحت الدولة العثمانية، فاجتمعت عليها أوروبا و هاجمتها و حجمت جيشها و بالتالي دمرت اقتصادها، ثم احتلتها انجلترا لاحقا من خلال شركة قناة السويس و ما ارتبط بها من ديون، كما احتكروا النفط الخليجي بشركات كبرى اتخذت شكل المشاركة، و بعد مرور ما يقرب من مئة سنة ماتزال الأوضاع كما هي، شركات غربية الأصل تستخرج النفط، و شريك محلي يجمع ثروات لا يستفاد بها و تتراكم في بنوك الغرب ذاته، و لم تعمل الشراكة لتكون قاطرات تنمية شاملة، فإذا انخفضت أسعار النفط كما هو حادث، وجدت تلك البلاد نفسها في أزمات قاسية.

و قد نذكر أن التوجهات الاقتصادية لنظام حسني مبارك في مصر، من خصخصة و إطلاق أيدي رجال الأعمال مع الاحتكار وتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي، قد أدت إلى نمو اقتصادي متسارع بشهادة تلك المنظمات الاقتصادية الدولية و دول الغرب، بينما أدت في مصر إلى ثورة شعبية قيل لم يسبق لها مثيل في التاريخ.

فيقوم السؤال: هل في ذاكرتنا على مدي قرن أن استطاعت التدخلات الأجنبية الغربية منها على وجه الخصوص أن تحل أيا من إشكالات المنطقة، أو أن تقدم دعما حقق فيها شيئا من التحضر الحقيقي، أو قلل من خصوبة تربتها لنشأة الميول الأصولية غير السوية و من التوجهات الموصوفة بالإرهابية؟ إنه سؤال محوري في سبيل البحث عن سبل الخلاص

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...