الأحد، يناير 23، 2011

أفرادا أو جماعات؟

إن الله تعالى خلق أفرادا، و جعلهم شعوبا و قبائل، و جعل لهم الدين لينظموا الحياة، و لكن يبقون أفرادا، يحاسبون، و يكافئون أفرادا، ليس لأحد منهم تمييز إلا بكونه فردا استوعب مسؤلية وجوده في الحياة، و اهتدى بهدى الدين في توجيه دفة حياته بين الأفراد الآخرين، و هو في الختام سيلقى ربه فردا، و المعضلة هناك في الموائمة بين الفردية و الجماعة، فالجماعة تنقص من الفردية، و لكنها لا توجد إلا بها .. و في الدفع بأن البيئة تؤثر على الأفراد فتنتج صالحين أو فاسدين، هو تحيز ضد الفرد، فالنفس سواها الله و ألهمها فجورها و تقواها، و جعل الفلاح و الخيبة فيما تختاره، بل إن هذا التحيز ضد الفردية هو العذر لدى من يزلون، باعتبار الضغوط و المؤثرات، و لكن إن نواجه أحدا بنفسه فنسأله هل فعل أي فعل مضطرا، و إذ نتعمق في البحث و النظر فلن نجد إلا أنه اختار ما فعل .. رغم كل العوامل، فهو الذي اختار، و لو لم يكن حرا مختارا ما كان حساب الله لكل فرد، بل وجب حساب من دفعه .. غير أن هذا يضعنا في أزمة خاصة و نحن نرى المنتحرين يوميا في بلادنا، تعبيرا منهم عن رفض الظلم و القهر من قبل السلطة الحاكمة، خاصة أيضا و نحن نريد أن نصنع من بعض هؤلاء رموزا كمحمد بوعزيزي التونسي، الذي انتحر حرقا، فقال البعض إنه الشهيد انبهارا بالحدث و ما أسفر عنه، و لكن أمام الله تعالى، ما هو حاله؟ ... حاله أنه اختار أن ينهي حياة لم يبدأها أو يخلقها، و لا حق له في إنهائها .. هو بين يدي الله كمخرج من الأزمة لمن يفكر فيها، و لكن ماذا نقول في الظروف الدافعة، و ماذا نقول في القول بأن من أوجدوا هذه الظروف مسئولون عن فعل بوعزيزي .. هل مسئولون هم أمام الله تعالى عن انتحاره؟ .. إن الانتحار وزر، و لا تزر وازرة وزر أخرى .. فهم ليسوا محاسبين على انتحاره .. هو فقط المحاسب .. و هم سيحاسبون على أمور أخرى، لعلها عند الله أكبر، هم محاسبون على الظلم و الفساد و الإفساد في الأرض، ذلك هو الذى اختاروا عمله .. و هم ليسوا مضطرين إليه إلا برغبتهم كأفراد كل في حالته – رغبتهم في فعله كائنا ما كان تسميتهم له أو تصويرهم له .. كأفراد أيضا و إن تعاونوا فيه و عليه ..

إلى أي شيئ تؤدي هذه الفكرة الصعبة الإحاطة بها؟ قد تؤدي إلى ما يلي:

قد يؤدي إلى أن فشل زواج أحد ما سببه اختياره هو .. اختياره ألا يوائم بين نفسه و نفس زوجه، بما يحمله هذا من معاني، منها رفض التخلي عن الكبر أو الاعتزاز بالنفس أو الكبرياء بحسب ما نحب من اسم له ...

قد يؤدي إلى أن زلل أحد ما سببه اختياره ألا يتورع عما نهى الله عنه .. و إن لم يعلم و إن لم يتعلم .. فلم يعد ممكنا أن هناك من لا يعلم و من لا يستطيع أن يجد التعليم

و قد يؤدي إلى أن سوء أحوالنا هو اختيارنا

إن التاريخ يعلمنا دائما أن فردا واحدا ذا إيمان بفكرة يغير وجه الحياة، بدءا من الرسل، انتهاءا بأمثال أردوغان و مهاتير محمد، الذي غيروا بلادا و شعوبا، و لا ننسى هتلر أو الأسكندر أو غيرها .. و هل التاريخ إلا ذكر أفراد .. فإن أرخنا للجماعة فإنما هو تأريخ لأفراد قادة حركتها، إما الميدانيين منهم، أو أصحاب الفكر الرائد الذي أوحوا لهم بالطريق نحو ما حققوا

إنهم دائما أفراد و و إن اتحدوا في جماعات، و ما الجماعات إلا الإطار لتحقيق الاستفادة الأكبر من قدرات الفرد ذي الإيمان بفكرة و عقيدة ..

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ... لم يخبرنا الله تعالى أن على القوم أن يغيروا ما بنفسهم .. لأنه لا نفس لهم .. إنما هم أنفس .. منفصلة عن بعضها ..

فلكل دور عليه أن يعلمه و أن يقوم به .. و أول هذا الدور أن يعرف ما به من طاقات، و أن يتعلم كيفية توجيهها، و أن يلتزم ما يأمره به ما يلتزم به من مبدأ .. و من الجيد ان المبادئ ليست كثيرة، فإنما هي الدين و حسب .. و من بعد التعلم و الإيقان بالطاقة في داخل النفس و من بعد الإيمان بها، يستطيع الفرد أن يختار و في اختياره تكون صورة حياته

فكيف تكون الجماعة و الحركة المجتمعية و العقل الجمعي، إذن؟

أليس الحق واحد؟ بلى .. إذن إذا أنا اخترت و أنا في عزلة عن الآخرين جميعا و اخترت الحق .. فإن المحصلة هي أننا جميعا سنختار نفس الاتجاه، و سنلتقي هناك

هناك تعليق واحد:

  1. و كأن هذا كان تمهيد للثورة، فالثورة كانت بدون قائد، و لكن كل الشباب خرج في نفس الاتجاه و نفس الغرض، الظاهر إن اليأس كان وصل لمرحلة بعيدة

    شكرا

    ردحذف

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...