الأربعاء، فبراير 29، 2012

التوافقي

صارت فكرة رئيس توافقي مادة للسخرية والتندر، حتى أن زوجين سألا طبيبا أثناء كشف السونار على الزوجة الحامل: ولد أم بنت؟ فقال الطبيب: توافقي ... وهي مضحكة بقدر ما تحمل الكثير من المعاني

فهل كان مبارك على صواب عندما قال إنه لا يجد في مصر من يستطيع تولي مسئولية الرئاسة؟ .. يبدو أنه كان يتكلم على أساس، لأننا غير قادرين على أن نرى من المرشحين الحاليين من هو قدير لذلك المنصب، أو نحن خائفون من الاختيار، ولذلك تظهر أفكار التوافقي و تنتشر و تجد لها محلا كبيرا من الاهتمام

ثم أليست فكرة التوافقي دليلا أيضا على أننا مازلنا نصر على رفض القيم الديموقراطية، أو ربما أننا غير مؤهلين لها، كما كان يقول مبارك و رموز حكمه، فمعنى التفكير في رئيس توافقي، أن التيارات السياسية غير مستعدة لقبول رئيس منتم لتيار آخر، فهو رفض مسبق لنتيجة الانتخابات الرئاسية، و مرة أخرى هو دليل خوف من المسئولية، وهو كما قال بعض المحللين إهانة للشعب المصري، ورغبة في حرمانه من حقه في اختيار رئيسه لأول مرة في التاريخ منذ محمد علي

وتلك النكتة الساخرة تقول بصراحة إن الرئيس التوافقي لن يكون إنسانا طبيعيا، سيكون شيئا أخرا إلا رئيسا على قدر المسئولية، هو لن يكون منتخبا، ولن يملك أمره، لأن التوافق عليه معناه العديد من القيود التي ستحكمه، وستكون قيودا لإرضاء الجماعات السياسية، لا قيود الدستور والمصلحة الوطنية، فهل هذا سيقود بلدا مثل مصر

يمكننا تصور سيناريوهين، الأول هو بدء التفاوض بشأن التوافقي، والخلاف الذي لن ينتهي فيه، وسيحدث أن يبالغ بعض الأطراف في تصوراتهم، ليقف البعض من التيارات الأخرى معلنا إنهم قد قدموا التنازل فعلا بمجرد التفاوض، وأنهم قادرون على حسم اختيار الرئيس لو أرادوا، فيقع الانشقاق الذي تريده بعض القوى الشريرة

السيناريو الثاني أن تلغى فكرة التوافقي، وتجرى الانتخابات الرئاسية، فلما تؤيد التيارات الإسلامية أحد المرشحين، يبدأ الكلام عن صفقات وتربيطات وتنشأ معارك كثيرة في الوقت الحرج من المرحلة الانتقالية، ثم يفوز من سيفوز بعد حين، فيخرج علينا من يقول إن الرئيس لا يمثل مصر، لأنه لم ينتخبه .. كما قالوا إن البرلمان لا يمثل الشعب المصري
فأي نوع الديمقراطية هذا، لقد أدى بنا هذا الفهم المعوج و المغرض من جانب من هم معدودن من النخبة إلى طول هذه المرحلة الانتقالية، وحدوث الكوارث التي مرت بنا، لأن هؤلاء لا يريدون لنا أن نرى إلا ما يرون

في اليمن قبلوا فكرة المرشح التوافقي، تبعا للمبادرة الخليجية، ولا يخفى أن دول الخليج قد رغبت في انتهاء الأزمة، لكنهم لم يرغبوا في أن تنتصر الثورة اليمنية، انتصارا كاملا، وقد كسبوا فرصة كبيرة بالمرشح التوافقي هناك، الذي لا ينتظر منه أن يكون بطل الثورة بعدما كان نائب الرئيس المخلوع، فهو انتقالي، هو مؤقت، هو توافقي وحسب، والنار تبقى تحت الرماد، ونحن نرى المظاهرات ضده قد بدأت بالفعل

فهل مطلوب ألا ننتهي أبدا من عملية التحول؟ .. إنه بكل السبل، لا خير إلا في إكمال الطريق الذي بدأناه، فالبرلمان قائم ويعمل، و لتبقى حكومة الجنزوري حتي نهاية الفترة الانتقالية، والرئيس يتم انتخابه من بين من يترشحون في الشهر القادم، لتبدأ مصر الحركة الأسرع، للبناء، والواقع يقول إننا كلما تقدمنا خطوة أدركنا أنه كان يجب علينا نخطوها منذ وقت طويل، وهي تجربة لابد منها بكل ما فيها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...