الأحد، يناير 22، 2017

خواطر اللشعراوي الميسرة - آخر الفاتحة

اهدنا الصراط المستقيم

و مادام هذ الاستيعاب لمعاني إياك نعبد و إياك نستعين، فالعبادة لك وحدك، و الاستعانة بك وحدك، و أنا معدٌ النفسَ على معركة، قد تستنفد أسبابي، و لكنها لا تستنفدك أنت أيها المسبب، فاستعدادي يارب أن أتقبل كل توجيه منك، فاهدنا إلى الصراط المستقيم، هذا طلب للمنهج، و لا يطلب الإنسان المنهج إلا إذا اقتنع أنه منهج حق، و قد ارتضى ربه مكلفا و مشرعا، و أَمِنَه على ذلك.

حب منهج الله

و كان رسول الله يقول لصحابته اتركوني ما تركتكم[1]، لا تكونوا مثل بني إسرائيل شددوا فشُدد عليهم، و مع ذلك ففي القرآن آيات مثل يسألونك عن الخمر و الميسر، يسألونك عن النساء، يسألونك عن المحيض، يسألونك عن اليتامى، و السؤال معناه أنهم أحبوا المنهج و عشقوه، و أرادوا أن يبنوا حياتهم كلها بناء إسلاميا إيمانيا، و عرض الله تعالى ذلك في القرآن، ليبين لنا أن الأوائل في الإسلام حينما آمنوا بالله و أُشربت قلوبهم حب الله و حب منهجه، صاروا ينبشون عن أشياء يعرفون بها حكم الإسلام، هذا دليل على عشقهم للمنهج، مع أن المنهج جاء شديدا عليهم بالتكليف، فلا يسأل هذه الأسئلة إلا إنسانا عاش المنهج و عاش في راحة الاطمئنان إليه، و أحب أن يستزيد، و هذه لا تتأتى إلا بعدما تختمر العقيدة بأن هذا المكلِف مكلِف حق، لا يأمرني و لا ينهاني إلا بما فيه مصلحتي، و الطالب للشيئ هو المنتفع به، فالمنتفع بالتكليف هو العبد الذي يطلب الهداية، فانظر الاختمار العقدي وصل به إلى أنه هو الذي يضع نفسه في قيد التكليف، واحد يحب أن يخرج نفسه من حرية الحركة و الاختيار، إلى قيد التكليف، لأن المُقِيد هو ربنا، فهو آمن لربنا في أن تقييده لحركته هذا هو الموصل للغاية.

و الصراط المستقيم، أي الطريق الموصل للغاية، و مستقيم يعني لا أقصر منه، فالغاية التي حددها الله و الطريق هو الذي حدده الله، و ما يشرعه الله هو الصراط المستقيم، قال تعالى "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ"[2]، فاهدنا الصراط المستقيم، يعني يارب نحن أعطينا العهد في إياك نعبد و إياك نستعين، و مستعدون للصراع و مؤمنون بأنك وراءنا مسببا و إن أعطيتنا أسبابا، فيارب زدنا بالهدي الذي يكون منصبا على التكاليف المطلوبة منا لكي نحقق إياك نعبد و إياك نستعين.

و اهدنا، في أول معانيها الدلالة بلطف، لأن الهداية منشأها أن هناك ضالا، و أنت تريد أن تهديه فلا توجهه بقسوة، و ذلك لأنك ستخرجه عما ألف، فلا تجمع عليه صعوبتين، صعوبة خروجه عما ألف، و بطريقة سيئة تسيئ إليه، و في الدنيا اللبقة، حتى في عالم الأمراض، يأتي الطبيب للدواء المر و يغلفه، لأنه لا يريد أن يجمع على المريض ألم المرض مع مرارة الدواء، فالهداية دلالة بلطف، لا دلالة بقسوة، " وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"[3].

الذين أنعمت عليهم

و من ألطف من الله ليهدي باللطف، و اهدنا الصراط المستقيم، كلام مطلوبه تكليفي نظري، فيأتي الحق سبحانه و تعالى ليبين لنا أن الطريق المستقيم، الذي أنتم تريدون فيه هداية هذا، هو صراط المنعم عليهم، أي ينقلها من كلام نظري إلى واقع، فقال الذين أحببتُهم هديتُهم لهذا، فأنا أطلب كما أعطى من أنعم عليه، و في الآية "وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً"[4]، صورة واقعية، تشجع على أن أطلب أن أكون مثلهم.

غير المغضوب عليهم

و لو قال صراط الذين أنعمت عليهم، فهي كافية، و لكن لكي تكون المسئلة واضحة الإيجاب و واضحة السلب، ، يأتي التمديد بالمقابلات، كما يقال لك كُل من هذا الطبق الحلو، و ليس من هذا لأنه مر، فلما لا تأتي سيرة المر لا يجذبك إلى الحلو، فالعسل وحده بدون مقابله لا يجذبك، فيأتي يقول صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، و لكن فما داموا هم الذين أنعمت عليهم، فسيكونون غير المغضوب عليهم[5]، نعم، إنما يأتي بالمقابل، لكي يشدك إلى الخير، قد كان يكفي أن يقول صراط الذين أنعمت عليهم، و لكنه يريد أن يحفزنا بالمقابل، فيقول غير المغضوب عليهم، لكي أعرف أنني إن لم أكن هنا فسأكون مع المغضوب عليهم، فأكره ألا أكون من المنعم عليهم.

و في ذلك أيضا يقول " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ"[6] فإنه لا يكفي أن أدخل الجنة، بل لابد أن أرى النار التي نجاني الإيمان منها، مجرد ألا أدخل النار فهو مكسب، فكيف إذا نجوت من النار و دخلت الجنة، فهذا هو السر في أننا لابد أن نرى جهنم "لترونها عين اليقين"، لكي تعرفوا أي شيئ أدى لكم الإيمان بالله، حتى أنه أنجاكم من هذه.

و لا الضالين

صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين، فهناك إيجابية في أنعمت عليهم، إنما مقابله اثنان، ألا أكون من المغضوب عليهم و لا من الضالين، و الفرق بينهما أن المغضوب عليه قد عرف الحق و كابر فيه و لم يتمسك به، إنما الضال لم يجد من يهديه و يتخبط، و ذنبه أنه كان يجب أن يبحث في هذه المسئلة و ألا يجعل مسئلة دينه أتفه المسائل لا يتعرض لبحثها، إنه لو أخبروه أنهم سيغيرون بطاقة التموين على بقال آخر سيجلس ينظر في الأمر، فلما يقال له الدين، ألا يهتم بالدين !! و لذلك جاء الضال في المرتبة الثانية، هو صحيح ضال و غير مهتد، و لم يعرفه أحد الحقيقة، إنما عاش على غش الغير[7] و لم ينبه ذهنه لأن يبحث في الوجود كله ليعرف المنهج، بينما المغضوب عليه قد عرف المنهج و بَعُدَ عنه[8]، لأنه ليست له طاقة على تبعات المنهج.

أو أن المغضوب عليهم هم الذين لم يكتفوا بضلال نفوسهم، و إنما حاولوا أن يضللوا غيرهم، فالذين يَضِلون هذا قسم، و الذين يَضِلون و يُضلون هذا قسم آخر، فالمغضوب عليهم هم الذين ضلوا و أضلوا و الضالون هم الذين ضلوا و لكن لم يُضلوا غيرهم، بل كانوا تابعين، و لذلك قال "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا"[9].


و العرب عندما جاء الإسلام و قال لهم قولوا لا إله إلا الله، فقد كان عدم قولهم لها لأنهم فهموها، و أدركوا مطلوبها، لو كانوا يعلمون أنها كلمة تقال و تصنع هدنة بينهم و بين محمد لقالوها، و لكن عرفوا مطلوب لا إله إلا الله، فلم يقولوها لأنها ستصنع لهم منطقة تكليفية و تجعلهم مثل غيرهم، إذن فالمغضوب عليهم هم الذين عرفوا المنهج، و لكن كبريائهم و حبهم للسيطرة و الطغيان لا يجعلهم يذهبون إليه، أما الضالون فهم الذين تعثروا لا يعرفون طريق المنهج، و لا بحثوا.

شمولية الفاتحة

ففاتحة الكتاب و هذا اسم من أسمائها، أو أم القرآن و هذا اسم آخر أو سورة الكنز و هذا اسم ثالث، قد تضمنت كل مقاصد القرآن الكريم، العقائد و الأحكام، و القصص، و مطلوبات القرآن لا تتعدى هذا، عقائد و أحكام و قصص، أما العقائد فالحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، و الأحكام إياك نعبد و إياك نستعين، و أما القصص فإن قصص الكون بالنسبة لعقيدة التدين و الإيمان بالله ثلاثة أقسام، صراط مستقيم، هؤلاء المنعم عليهم، و بعد هذا هناك مغضوب عليهم و هناك ضالون، و لكل هذا قوم يمثلونه واقعا كما مثله الله قولا، و يكررها المؤمن بأمر الله 17 مرة في اليوم، و إن أحب يزيد، و قد نزلت مرة في مكة و نزلت مرة في المدينة، لأن في مكة كان صراع العقيدة، و في المدينة كان صراع التكليف، و فيها الاثنان، الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، هذا جزء العقيدة، ثم إياك نعبد و إياك نستعين، اهدنا ... إلى آخرها، و هذا صراع التشريع، فكان لابد أن تنزل مرة هنا لأنها تعرضت للعقيدة، و مرة هنا لأنها تعرضت للتشريع، و الإسلام عقيدة و تشريع معا[10].

آمين

و بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب بقولنا آمين، إسوة برسول الله إذ علمه جبريل أن يقول بعد قراءة فاتحة الكتاب آمين، فهي من مقول جبريل لرسول الله و ليست كلمة من القرآن، و كلمة آمين تعني، استجب يا الله فيما دعوناك به من قولنا اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة، و آمين دعاء بتحقيق المطلوب لا بزيادة على المطلوب.

هل أمين عربية

و قد اختلف العلماء أهي عربية أم غير عربية، و يعنون بذلك أصالة وجودها، و حين يقولون إنها غير عربية أي أنها منقولة من لغات أخرى، يأتي قوم ليقولوا و كيف تدخل كلمة عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي؟ فلهؤلاء نقول إن ورود كلمة من الكلمات ليست في أصلها عربية في القرآن الكريم، لا ينفي أن القرآن كله عربي، لأن معنى أنه عربي، أنه إذا خوطب به العرب فهموه، فهب أن ألفاظا دخلت في لغات العرب من لغات أخرى قبل أن ينزل القرآن ثم دارت بها الألسن و لاكتها أساليب البيان عند الناس، فأصبح الذين يسمعونها بعد الدخول الأول أو بعد وافدتها الأولى يسمعونها على أنها عربية، فحين يأتي القرآن بما دار على الألسنة و ألفته الآذان، يقال إنه عربي، فليس المراد بالعربي أي المولد العربي، لا إنما المراد أن القرآن نزل بهذا اللفظ و هذا اللفظ له شيوع على ألسنة العرب، لا يقل شيوعا عن أي لفظ آخر، و مادام اللفظ قد شاع على الألسنة قولا و على الآذان استماعا فإن الأجيال التي تستقبله بعد ذلك لا تفرق بينه و بين غيره من الكلمات التي ميلادها عربي، لأنه أصبح الاستعمال عربيا، فمعنى ذلك أن القرآن لم ينشأ كلمة جديدة، في العربية من غير العربية، لكنه جاء بكلمات هي في الميلاد غير عربية، و لكن ساعة نزول القرآن كانت شائعة شيوع اللفظ العربي.

بعض اللغويات

اللغة عبارة عن ألفاظ اصطلح على معانيها بحيث إذا أطلق اللفظ فُهِمَ المعنى، فآمين كانت مستعملة بمعنى استجب، و استجب فعل، و لكن آمين ليست فعلا و إنما هي اسم يدل على الفعل.

و اللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم و فعل و حرف، فالاسم كلمة، و الفعل كلمة، و الحرف كلمة، و لكل كلمة معنى في ذاتها، إنما هذا المعنى قد يكون مستقلا بالفهم أو غير مستقل بالفهم، فإذا قلت محمد فهمت الشخص الذي سمي بهذا الاسم، فصار له معنى مستقل بالفهم، و إذا قلت كَتَبَ، فهي أيضا كلمة لها معنى مستقل بالفهم و هو تجميع الحروف لتقرأ على هيئة كذا، و كلمة "في" أيضا كلمة لها معنى لأنها تدل على شيئ في شيئ، لكن ماذا في ماذا لا نعرف، أي دلت على معنى و هو الظرفية، إنما غير مستقل بالفهم، بل لابد أن تقول لي ماذا في ماذا، تقول الماء في الكوب مثلا، فمحمد دلت على معنى مستقل بالفهم، و كتب دلت على معنى مستقل بالفهم، و لكن "في" دلت على معنى فقط، و هو الظرفية، كما أن عَلىَ للاستعلاء، و لكن ماذا على ماذا لا نعرف، و كذلك "بـ"، نقول كتب بالقلم، أو تصدق بالدرهم، فالباء لا يظهر معناها إلا بضميمة شيئ، فمعناها غير مستقل، و ما هو غير مستقل بالفهم، نسميه حرفا و نريد له مُتعلَق.

الاسم و الفعل و الحرف

أما محمد فلها معنى مستقل بالفهم، كما أن كتب لها معنى مستقل بالفهم، ثم ننظر هل الزمن جزء من محمد أم من كتب؟ إن كتب هي التي تحتاج الزمن، إنما محمد الاسم لا يريد زمنا، إذن فالاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم و ليس الزمن جزء منه، و الفعل ما دل على معنى مستقل بالفهم و الزمن جزء منه، أما الحرف فما دل على معنى غير مستقل بالفهم.




اسم الفعل

و علامة الفعل أنه تسند إليه الضمائر، كمثل تاء الفاعل، تقول كتبتُ، لكن لا تقول محمدتُ، كتبتُ أو كتبتَ أو كتبتِ، لكن إذا رأيت اسما يدل على فعل، أي يدل على حدثٍ الزمن جزء منه، و لكنه لا يقبل إضافة الضمير، فلا تأتي فيها لا تاء الفاعل، و لا تاء التأنيث و لا غيرها، فلا تقل عليه فعل، بل هو اسم فعل، أي اسم يدل على فعل، مرة يكون ماضيا و مرة يكون مضارعا و مرة يكون أمرا، و آمين من هذا النوع، هي ليست فعلا، بل اسم مدلوله فعل هو استجب، فهو اسم فعل أمر، نحن نستعمل اسم الفعل هذا كثيرا، ساعة تقول آه، فهي اسم لفعل أتوجع، فهي اسم فعل مضارع، و ساعة تقول أف، فهي اسم فعل بمعنى أتضجر، و تقول هيهات، اسم فعل ماض، يعني بَعُدَ، أي بعيد أن يكون ذلك، بَعُدَ أن يكون ذلك.


في الدعاء و التأمين على الدعاء

و حين نقول أمين، أي استجب، فمرة تقولها و أنت القائل، و مرة تقولها و أنت السامع، ساعة تقرأ الفاتحة أنت، تقول آمين، يعني أنا دعوت يارب، و لا تقتصر على الدعاء بل تدعو أن يجاب الدعاء أيضا، فيكون هناك آمين، أنت دعوت في اهدنا، و تقول أنا نظرا لشدة تعلقي بالمرغوب في الهداية فأنا لا أكتفي يا رب بأنني أقول اهدنا، و لكني أطلب منك يارب أن تجيب اهدنا هذه، فهناك طلبان طلب خاص باهدنا و طلب خاص بأن يجيب الله دعاءك في قولك اهدنا، لا تكرر هذا الطلب إلا إذا المطلوب يهمك جيدا، و إذا كنت تستمع للفاتحة، فكأنك قلت استجب يا رب لاهدنا التي قالها القائل و استمعتُ لها، فحين تقول آمين تكون أحد الداعيين، لأن المؤمِّنَ أحد الداعيين، مادمت أنت دعوت و أنا قلت آمين فأنا شريك في الدعاء، و في القرآن أن سيدنا موسى لما دعا أن يطمس الله على فرعون و يهلكهم "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيم"[11]، فهل قال الله تعالى لموسى قد أجيبت دعوتك، أم أجيبت دعوتكما؟ قال " قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا"[12] ، و الداعي كان موسى، و دعوتكما أي موسى و هارون، فموسى دعا و حين دعا موسى أمن هارون، و حين أمن هارون، كان مشاركا في الدعاء، فلما أراد الله أن يبشرهما بإجابة الدعوة لم يقل قد أجيبت دعوتك يا موسى، و لكن قد أجيبت دعوتكما.

خاتمة

و هنا يجب أن نأخذ بعض الخطرات حول التسمية، و حول الحمد لله، التي استهلت به فاتحة الكتاب، لنقول إن على المؤمن أن يثمِّر هذا الفتح، و يثوِّره، يعني يثمر الكنز كما يثمر الأرض تخرج خيراتها، فإذا كان الحق قد أمرنا أن نبتدأ كل عمل لنا ذي بال بقولنا باسم الله فيجب أن نثمر هذا الأمر، أي نزيد فيه، فنقول بسم الله الرحمن الرحيم عند أول كل عمل، و لنستدرك ما فات من نعمة البدء بالتسمية نقول و بسم الله على كل عمل لم أبدأه ببسم الله، فيكون بسم الله قضاء، و بسم الله عن كل عامل نسي أن يقول عند عمله بسم الله، فتكون أديت عن نفسك في الحال، و أديت عن نفسك في الماضي، و حملت عن أخيك الساهي عن الحمد، بسم الله الرحمن الرحيم، ليعطيك الله شحنة البركة في كل ما تأتيه مضاعفا بنيتك فيه، و إذا كان ذلك في بسم الله، فيجب أيضا أن نأخذ في الحمد لله، الحمد لله نقولها عند مشاهدة نعم لم تكن ثمرة عملنا، النعم التي في الكون هذه لم تكن ثمرة عملك، و فيه نعم كانت ثمرة عملك، فاستقبل النعم التي ليس لك فيها عمل، بالحمد لله الذي تفضل بها من غير حول لك و لا طول، و إذا كان بعملك، فاحمد الله على أن العمل قد أتى بهذه الثمرة، و قل الحمد لله، و الحمد لله عن ماذا، كما قلنا في البسملة، سنقول في كل عمل ثمرة، سنقول الحمد لله، و الحمد لله على كل نعمة نسيت فيها الحمد، و الحمد لله عن كل منعم عليه نسي أن يقول الحمد لله[13].







[1] رواه ابن حنبل عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم فائتوا منه ما استطعتم" و صححه الألباني برقم 850  – سبتمبر 2016
[2] الأنعام 153
[3] أل عمران 159
[4] النساء 69، و في الآيات قبل هذه نجد أن الهداية للصراط المستقيم لا تأتي بالدعاء و حسب، بل بالالتزام بالمنهج و طاعة التكاليف، يقول تعالى في النساء الآيات 66 – 70 " وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (68) وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً (70)" ، فلو أطاعوا ما يوعظون به، و هو وعظ و ليس فقط أمر و تكليف و نهي، لو فعلوا لانتفعوا و لآتيناهم أجرا عظيما و لهديناهم، فاستحقاق الهداية يأتي بالفعل من المستهدي، من يرد أن يهتدي فليفعل و سيجد الله تعالى معينا، فليس الحال هو مجرد الدعاء و إن خلصت النية، فمنهج الله موجود و معلوم و هو الصراط، فسر في الصراط تهتدي، و ما الدعاء إلا الرغبة في العون و التثبيت، عندما نكون شرعنا بالفعل في السعي في صراط الله المستقيم – سبتمبر 2016
[5] هنا يجوز أن المهتدي الصالح بهداية الله قد ضل فيما بعد، فليست المقابلة فقط هنا هي الغرض، و لكنه أيضا التأكيد على أن نعمة الله بالهداية تستلزم الاستمرار عليها، و لا يظنن أحد أنه سيأخذ منهج الله ثم يخدعه سبحانه و تعالى و يخالف المنهج فيما بعد، فهذا يغضب الله عليه، مع أنه كان قد هداه من قبل إلى الصراط المستقيم، فالمعنى اهدنا الصراط المستقيم الذي هديت إليه من أنعمت عليهم فانتفعوا بالنعمة و الهداية و لم يخالفوها فيما بعد، و تجنبوا غضبك عليهم، إن الله تعالى قد أرسل الرسل و الرسالات بالهداية لكل الناس، فمنهم من اهتدى و دام على الهدى حتى نال الجنة، و منهم من اهتدى ثم ضل، و منهم من لم يأخذ المنهج للهداية، و نحن نريد الصنف الأول، أن نهتدي و نداوم و لا ننحرف عن سبيل الله – أغسطس 2016
[6] آل عمران 185
[7] أي اتبع غش و ضلال غيره و لم يتقص الحق بنفسه، و إننا نعيش في زمن ميزته الأولى هي سهولة البحث و الوصول إلى المعرفة، و لا يمكن في هذا الزمن أن يدعي أحد أنه لم يسمع بدين الله، و قد كان عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، أن ازداد اهتمام الناس بالإسلام، و أسلم الكثيرون في أمريكا في ذلك الوقت، زاد الاطلاع على تعاليم الإسلام، و رغم الظروف السيئة التي يعيشها المسلمون، و رغم التشويه المستمر للإسلام، و ربطه بالإرهاب، فإن هذا يؤدي إلى أمر مؤكد، و هو ازدياد فضول الناس في كل مكان في التعرف على هذا الدين، و قد قال تعالى"هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله" فهو أمر محسوم أن الإسلام سينتشر و يعم، و لا يمكن للبشر جميعا و لو اجتمعوا أن يغير حكم الله، في أن يظهر هذا الدين على كل ما سواه، مهما رأينا من تجبرهم على المسلمين في أنحاء العالم، و من هوان المسلمين حتى في بلادهم، بل ربما جاءت جموع اللاجئين المتدفقة على أوروبا لتكون الوسيلة التي يزيد بها الإسلام هناك، فإن المسلمين لم ينصروا الدين في قلب بلادهم، فعاقبهم الله بهذه الهوان و ذاقوا المر من تقصيرهم، و أجبروا على ترك بيوتهم، و التشرد في البر و البحر، و لكن سيجعل الله من هذا سببا لانتصار دينه، ليخرج جيل جديد يرفع شأن الإسلام، فلا يعلم جنود ربك إلا هو  – يناير 2017
[8] يعني المغضوب عليه، و هو ما يؤيد تعليقي السابق في أن غير المغضوب لا يقصد بها فقط إبراز المعنى بالضد و الإهاجة إليه كما وصفها الشعراوي – أغسطس 2016
[9] البقرة 166
[10] شملت السور الأخرى هذا و ذاك أيضا، و لكن الفاتحة لها مكانة خاصة، فإجمالها جعلها الأنسب لبدء المصحف، و للتكرار في الصلاة، و جاء التأكيد عليها في النزول في مكة و المدينة، للتأكيد على مكانتها الخاصة، و لو تأملها المسلم، لوجد فيها كل المعاني، و استنتج هو التفصيلات بهداية من السور الأخرى، و بالخبرات البشرية، فهي سورة كافية شاملة دالة، تفتح الطريق على أقصاه أمام كل راغب في الهدى، و تعطيه في أقل الكلمات جميع أبعاد الإيمان بالله – أغسطس 2016
[11] يونس 88
[12] يونس 89
[13] هذا معناه أن الفاتحة تعلمنا الحمد و الابتداء باسم الله، و كل ما فيها غير هذين هو حيثية لذلك – أغسطس 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...