الخميس، نوفمبر 17، 2005

حكمة الله - 4

مجدى هلال - فلوريدا

فيما سبق مهدت سورة الفاتحة "للكتاب" و أعطت المثل الوضح على بدء كل عمل باسم الله تعالى ، ثم جاءت بدايات سورة البقرة لتقدم الكتاب ، فحواه و أصناف المتلقين ، و الدعوة التي يوجهها و كذلك إشارة إلى الأسلوب الذي سيتبع فيه ، و هذه هي محتويات كل مقدمات الكتب كما نعرفها ، و كان هذا هو ما اشتملت عليه الآيات حتى 29 من السورة ، و تأتي الآيات التالية بعد ذلك لتروي قصة خلق آدم عليه السلام ، و لا عجب فهو أول حدث في تاريخ البشر ، و لاشك أن هذا هو موضعه ، و لكن أهو كتاب لسرد التاريخ؟ .. كلا ، و لذلك فليست قصة خلق آدم هنا مجرد سرد يأتي في ترتيبه الطبيعي في هذا "الكتاب" و لكنها أتت متعددة الأبعاد ، ففيها القصة و فيها إشارات عبقرية إلى مجمل تاريخ البشر من بدء الخلق و حتى اليوم ، ففيها كيف قد بدء هذا الأمر الذي نحن حياله ، و هو أمر الرسالات التي أرسل الله تعالى إلى بني آدم بعدما نزلوا الأرض إلى حيث أراد الله لهم أن تكون حياتهم ، فقراءة هذه الآيات التي في ظاهرها قصة ، يقول لنا ما هذا الذي نفعله الآن في هذه الأرض

و لكن قبل هذا و مما قد يلفت الاهتمام في الآيتين التي ختمت بهما المقدمة هو هذا التساؤل الذي يتعجب أن يكفر الناس ، و يبرر تعجبه بأنهم قد أحياهم الله ، ثم يميتهم ثم يحييهم ثانية ثم يجمعهم إليه .. ثم إنه ، سبحانه ، الذي خلق لهم كل ما خلق و هو العليم بما خلق و بهم لأنهم من خلقه ، فكيف يكفرون ؟! .. أليس مما قد يثيره البعض هو أنه لابد من إعلام القارئ بهذه الحقائق قبل مثل هذا السؤال الاستنكاري ، فلاشك أن هناك من قد لا يظن أن إلاها قد خلقه ، و قد يُفاجئ البعض بذلك الخبر الذي يسوقه السؤال : " كنتم أمواتا ... ثم إليه ترجعون ... هو الذي خلق لكم ... بكل شئ عليم " ... البعض ستأخذه المفاجأة و قد يندهش من هول الكلام ، و لكن البعض سيفكر كيف سيكون هذا صحيحا ، و سيفكر كيف كنا أمواتا ثم ... ثم ... و سيفكر... حتى يتذكر

لعلنا نتـذكـر

في آيات كثيرة تأتي صيغة لعلكم تذكرون أو لعلهم يذكرون ، و أو " فذكر" و أيضا " إنما أنت مذكر" ، و غير هذا مما يوحي بأن علينا أن نتذكر ذلك الذي كان ... فالذكرى هكذا مهمة إلى الحد الذي يكون فيه الرسول صلى الله عليه و سلم ، فقط مذكِّر .. " إنما أنت مذكر" ... فما الذي يجب علينا تذكره ؟ .. لابد أن يكون شيئا نعرفه جيدا ، و لكنه غائب عنا

و الإجابة هي نعم ، هو شيئ نعرفه جيدا .. ألا و هو الفطرة .. الفطرة التي فطر الناس عليها من قبل أن يخلقهم ، هي ما يجب أن نتذكره .. و مضمونها أن الله هو ربنا جل و علا ، و في الآية من الأعراف يقول تعالى

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173


جاءت هاتان الآياتان بعد حديث طويل في تلك السورة جاءت فيه قصة خلق آدم مرة آخرى ، و كان فيه حديث صريح عن عداواة إبليس لبني آدم ، و عن إرسال الله تعالى الرسل ، و وردت قصص كثيرة عن الرسل المتتابعين حتى انتهى الحديث إلى هذه الآية ، فكأن ذلك الحديث في الأعراف هو ملخص تاريخ البشر ، و الذي يمكن تلخيصه ، في حدث بدء الخلق ، عداوة إبليس و توعده البشر ، نزول البشر إلى الأرض لينتظروا رسل الله ، توالي الرسل و إيمان بعض الناس و كفرالأكثرين على مدى العصور ، فكأن السياق يقول إنهم كفروا رغم رؤيتهم الآيات ، كفروا بالله الذي يعرفونه ، و لو أنهم يتذكرون هذه الشهادة الأولى ، لما كان الكفر و الخسران ، لقد كان الناس جميعا ، من بين ذرية بني آدم في علم الغيب الذي يعلمه الله ، عندما استشهدهم الله على أنفسهم أنه ربهم ، و قالوا بلى: انت ربنا يا الله ، و لقد كنا منهم نحن أيضا .. و أباءنا ، و أولادنا و أحفادنا .. كل البشر ، بلا استثناء .. كل واحد منا قد سأله الله تعالي ، و أجاب بأنك يالله ربي ... فقد بطلت إذن كل الحجج .. و ويل البشر لولا رحمة ربهم بهم

فقد اختتمت المقدمة في سورة البقرة بهذا الاستنكار الذي يحمل في طياته خبرا عظيما ، فلا يكون من عجب من هذا الاستنكار ، لأن كل الناس يعرفون ، و لكنهم قد نسوا ، و قد قال تعالى "و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ..." ، فنحن الناس ننسى ، و لقد تلطف سبحانه فأشار بعد هذا الاستنكار إلى كيف بدء الخلق ، و كيف بدء إبليس عداءه ، و كيف كان النزول إلى الأرض كشيئ من التذكير ... و أهم ما في ذلك الجزء من سورة البقرة عن قصة آدم عليه السلام ، هو إعلام الله تعالى لآدم و بنيه أنه سوف تأتيهم رسل من الله في الأرض ، فمن اتبع الهدي فقد أفلح ، و من كفر فهو في النار ، و هكذا يكون بدء "الكتاب" واضحا محددا ... و هكذا نعلم منذ البدء في أي إطار قد جاءنا هذا الكتاب من الله تعالى ، و هكذا أيضا نحمد نحن المسلمين الله تعالى أن جعلنا ممن نالتهم دعوته الخاتمة في هذا القرآن ، و التي قد بدأ الإخبار بها منذ أن نزل آدم إلى الأرض

و عند الحديث عن الترتيب ، فإذا قلنا إن قصة آدم هنا كانت بمثابة الفصل الأول من الحديث القرآني بعد المقدمة ، فيمكن قبول هذا ، و إن قلنا إنها هي ختام المقدمة كان مقبولا كذلك ، و لكن الغرض هنا هو الإشارة إلى تلك الفكرة الأولى في قلب الإنسان ، و قد شهد كل آدمي على نفسه بعلمها ، و من رحمة الله أن بعث الرسل " ليذكرونا " بها قبل يوم الحساب .. إنها هي التي قادت إبراهيم عليه السلام في بحثه عن الله و وقته أن يعبد شمسا أو قمرا أو حجرا ... إن فيها العلم الصحيح المباشر ، و بسببها ، بسبب أنها فينا فعندما ، بَعُد الأمر بالناس و نسوا ، ظهرت عبادات الأصنام و غيرها من مخلوقات مما تصور الإنسان - إذ لم تكن فطرته في صفاء فطرة إبراهيم عليه السلام - أنها هي التي تؤثر في حياته بقوى ليس له قبل بها .. لأنه يشعر برهبتها في داخله ، يشعر أن هناك ربا له ، هو الذي خلقه ، و لكنه لا يستطيع أن يدرك كنه شعوره ، و من هنا تأتي محاسبة الناس بمثل ذلك السؤال " كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا .... " .. نعم.. إننا نعلم أنا كنا أمواتا ، بل لقد خاطبنا الله ، جل و علا ، فردا فردا ، و قلنا "بلى" .. إذن فنحن نعلم .. كل واحد قد شهد على نفسه .. كل واحد قالها .. لكنه لا يتذكر .. حسنٌ .. إن في "الكتاب" ما سيذكره ... ونحن مازلنا في مقدمة الكتاب

الذين حاولوا التذكر و أخطأنا فهمهم

و عندما يدعي بعض الأنثروبولوجيين ، أن غريزة الخوف الحيوانية في صورتها الإنسانية ، هي الدافع للإنسان لاحترام و تهيب و خوف كل من يمتلك قوى بعيدة عن إمكاناته ، و بالتالي لتأليه صاحب هذه القوي ، و أنه بذلك كانت نشأة الأديان البدائية ( انظر "ديانة مصر القديمة " تأليف أدولف إرمان ، ترجمة د.عبد المنعم أبو بكر و د.محمد أنور شكري ، مكتبة الأسرة 1997) ... فهل يصعب علينا أن ندرك ما في هذه المقولة من سذاجة .. فهي لا تأتي إلا من أناس يخالفون فطرتهم التي أقروا بها من قبل ، و لكنهم نسوها ، و لو أنهم تخلصوا من الغرض ، و كانوا محايدين نحو تقبل فكرة الإيمان بالله ، ولم يكونوا متأثرين بظروفهم التاريخية التي شوهت الدين ، و جعلت معنى الإيمان أن يرسفوا في أسر رجال كنيسة طغاة ضالين - لو أنهم كانوا كذلك لهداهم التفكر و لهداهم علمهم إلى أن هناك حاجة في داخلهم للإيمان بإله ، كما كانت هناك نفس الحاجة في نفوس أبناء هذه الشعوب البدائية .. حاجة أصلية ، زُرعت فيهم حتى من قبل وجودهم ، حاجة ليست ناشئة عن غريزة ، أو ميل ، أو حاجة أخرى .. و لقد تكون تلك الحاجة للإله هي الدافع نحو الأمور الباقية

و نفس تلك الظروف التاريخية ، هي التي أفرزت مذاهب ، كالعلمانية و غيرها ، فما العلمانية إلا رد الفعل لفساد الطرح الديني في الغرب ، و لم تكن إلا خطوة أولى في الطريق السليم ، و لكنهم انحرفوا بها ، فحقا كان عليهم في أوروبا أن يعلموا أن ما يملكونه من بقايا اليهودية أو المسيحية ، لم يعد كافيا ، إما بسبب انقضاء دوره في الحياة ، بنزول كتاب الله الخاتم ، و إما بسبب تحريفه ، و هم يستطيعون أن يكتشوا تحريفه ، بل إن الكثيرين جدا من علماء اللاهوت في أوروبا و أمريكا خاصة ، قد أخرجوا الكثير من الأبحاث و الكتب ، التي تردد المرة بعد المرة أن الإنجيل و كذا العهد القديم ، تملئه التناقضات ، ما دفع بالكثير منهم إلى جعل مجال أبحاثه التساؤل عن صحة اعتبار الإنجيل كتابا سماويا ، و كل عام في فترة أعياد الميلاد يتبارون في عرض تلك التناقضات ، و إبراز جهودهم البحثية التي تسأل عمن كتب الكتاب المقدس ، و وصل الحال ببعضهم إلى أن سأل هل عيسى عليه السلام كان شخصا حقيقيا ، و لكنهم يرون الحق ، ثم ينطلقون وراء أهوائهم ، يشكلون الحياة كما يحبون ، و يجعلون متعة الدنيا هي الهدف ، و لقد اجتهدوا حق الجهد في ما سعوا إليه فأعطاهم الله ما طلبوا ، سبحانه و تعالى
فليتفكر الجميع ، ألا يتفكر المتفكرون من دون الهوى ، و لعلهم لو فعلوا يتذكرون ... لعلهم يكونون كإبراهيم عليه الصلاة و السلام .. الذي أحس بأن هناك ما يجب أن يتذكره ، فرفع بصره للسماء ينظر و يتفكر و يبحث عن ربه .. و لعلهم أيضا ، في القليل ، يكونون مثل مثلهم العليا : فلاسفة الإغريق الأوائل ، و لكنهم حتى لم يروا الدرس الصحيح في الفلسفة الإغريقية ، و رغم هذا يعتبرون أنفسهم ورثة هذه الفلسفة ... فأي هوى مطاع هذا

الدرس في تاريخ الفلسفة

ها هم الفلاسفة الأوائل ؛ الإغريق ، عندما بدأ الفكر يحدث في أدمغتهم ، فكرا خالصا مجردا من كل هوي ، لا يبغي إلا الحكمة ... فعما تساءل فلاسفة الإغريق أول ما تساءلوا .. و ماذا وصفوا أولا ؟ ... لقد تساءلوا عن كيف تأتي الأشياء و تفنى .. أين كانت .. و من بعد أين ستكون .. من هو العلة الأولى .. الموجد .. الصانع الأول ... أول ما بدءوا يتفكرون كانت الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي فقط ما في عقولهم .. لأنهم من قبل أن يوجدوا قد سألهم الله : " ألست بربكم" .. فماذا قالوا ... " قالوا بلى .. " .. هذه بداية الفلسفة ، بل هي بداية البدايات

ففي نشأة الفلسفة الإغريقية (انظر "فلاسفة الإغريق" تأليف ريكس وورنر ، ترجمة عبد الحميد سليم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985) ... ظهرت أسماء ربما أقل شهرة من أسماء كبيرة مثل سقراط و أفلاطون و أرسطو ، و من هؤلاء طاليس ، أناكزيماندر ، أناكزيمنيز ، فيثاغورث ، أكزينوفانيز ، هرقليطس ، بارمينيدز ، و غيرهم .. كل هؤلاء بدءوا في سؤال أو عدة أسئلة كبيرة المقدار كمثل : مما صُنع كل شئ؟.. و كيف تأتي الأشياء؟ .. و كيف تتغير أو تفنى؟! ... و هؤلاء الرجال بدءوا في البحث عن إجابات هذه الأسئلة ، و كان كل منهم يأخذ ما يصل إليه غيره ، و أسماؤهم مذكورة بترتيب زمني ... و لقد بدءوا و وضعوا أسس الفلسفة المجردة ، ثم بدأ التفكير العلمي و نشأت العلوم و مبادئها ... و نستطيع من دراسة نتائج فكر هؤلاء الفلاسفة المتقدمين أن نجد أنها دارت حول وصف الذات الإلهية وصفا يسيرا من البديهيات ، هم كانوا لا يعرفون الله سبحانه - لا يعرفون أنهم يعرفونه سبحانه و تعالى- ... فقط قد حاولوا وصف "الشيء" مثلا .. أو "العلة الأولى" أو "الأبدي" أو "الواحد" ... و مسميات و أوصاف أطلقوها ليس لها معان تتخيلها العقول ، ثم شرعوا يوجدون لها المعاني

هناك أقوال تنسب إلى هؤلاء مثل "كل الأشياء تنبأ عن آلهة" كما قال طاليس .. و أناكزيماندر قال إن السبب المادي و العنصر الأول هو الأبدي ، و قال إن هذا أزلي لا يهرم .. و من أكزينوفانيز نجد قوله : إله واحد أعظمهم بين الآلهة و الناس .. لا مثيل له بين البشر في صورته و لا في تفكيره ... و بصير بالناس أجمعين ، مدبر الأمر .. و سميع بكل شئ .. و موجود دائما في نفس المكان و لا يتحرك على الإطلاق ... و لا يوائمه أن يتجول هنا مرة و هناك مرة أخرى

و قيمة هذه الأقوال أنها جهد بشري قائم على محاولات النظر و التأمل في الدنيا المحيطة و استنتاج ما لابد أن يكون من منطق و نظام ، و إنني لا أنظر في صحتها و لكن في مغزاها و أهميتها كنتاج فكر بشري مجرد و خالص لوجه الحكمة ، و لا أجد إلا تكرير القول بأنهم فقط لا يعرفون أنهم يعرفونه سبحانه و تعالى

يتناول مليسوز من سبقه و خاصة بارمينيدز و يصل إلى أنه ... إذا اللاشئ موجود فماذا يمكن أن يقال عنه ... ما كان موجودا كان موجودا أبدا و سيظل موجودا أبدا لأنه إذا أتى إلى الوجود فهو يستلزم بالضرورة أن لا يكون موجودا من قبل أن يأتي إلى الوجود ، و لو أنه لم يكن موجودا فليس معقولا أن ينشأ شئ من لاشيء ... فهو سرمدي و لا نهاية له و واحد و متماثل كله و لا يمكن أن يفنى ... و ليس في الإمكان أن يتغير نظامه ... ... فهو ليست له بداية أو نهاية ... و إذا لم يكن واحدا فسيكون مرتبطا بغيره

هذا هو بعض ما قالوه ، و صدق الله العظيم عندما إذ يقول

وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ 172 أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173

إن الدليل بين أيدينا يسجله تاريخ الفلسفة ، إن الله سبحانه و تعالى قد فطر الناس على الإسلام له و عبادته و لقد أخذ ميثاق بني آدم بذلك فأقروا له بالربوبية وحده .. و بهذا تكون عقول الناس و قلوبهم على هذه الفطرة لأنه لا تبديل لفطرة الله ، و تكون القلوب و العقول على استعداد عند أول بحث مجرد و تفكير طبيعي بالمنطق و البديهة السليمة ، أن تتذكر الإقرار بالربوبية ، و تعلم أن الله هناك مستحق للعبادة ، حتى و إن لم يأتها الرسول .. حتى و إن قالوا إنا نتبع أباءنا ، فإن لهم عقولا يمكنها أن تعرف الحق ، المزروع فيهم من قبل أن يوجدوا ، هو فقط أمر التخلص من الغرض ، و الهوى ، و الميل إلى الدنيا

و ربما لا يكون الهدى تاما ، ربما لا يستطيع كل الناس أن يكونوا فلاسفة ، ربما لا يكون في إمكان عقول البشر أن تهتدي تماما وحدها ، و هذا هو المنتظر ، كمثل حال إبراهيم عليه السلام ، الذي إن لم يهده ربه لكان من الضالين ، و لكن لاشك أن ستكون هذه العقول ، على استعداد ، لقبول رسول من الله ، يقول لهم من هو الذي وصفوه و أحسوا بوجوده ، و بخصوصيته ، و سيجدون أن ما فكروا فيه ، بمنطقهم ملزم لهم بالإيمان و التسليم ، لهذا الإله الذي بعث إليهم رسولا .. ذلك لو تخلصوا من مطامع الدنيا ، أو أفلتوا من الظلم ، أو كانوا سليمي الرغبة عندما بحثوا عن الحكمةفعندما تنتهي مقدمة الكتاب بالسؤال المستنكر و اللائم للبشر أن يكفروا ، يكون ذلك في محله ، و يكون فرضا علينا أن ندرك مغزى أن يكون اللوم في محله ، ليس فقط بالاستماع للداعي المرسل من عند الله ، بأن الله سبحانه هو الذي خلقنا ، و خلق لنا و أعد لنا نعمه في الأرض و في السماء ، بل باستخدام عقولنا أيضا ، على ألا يحكمها كبر أو هوى أو ميل ، إن المكابر إنما يكابر بمنطق يختاره ليحكم به عقله ، فلو هو التزم المنطقية حقا و لم يقسر نفسه على هوى ما - فلسوف يتذكر .. و سيسلم بأن اللوم في محله و أن الله هناك يسمع و يرى ، و أن عليه فرضا واجبا نحو خالقه ، و سوف نرى في سورة الأعراف تحليل أصل الخطيئة ، و الكفر ، و أنه إنما هو الكبر ، لا شيئ غيره ... بعض النفوس و ياللعجب تتكبر عن أن تتبع أنفسها إذا لم يكن ذلك بأمر من الهوى ، الكبر و الهوى صنوان قد يحكمان النفس و يستذلاها ، فيسوقاها طريق الشرك بالله و هي تعلم أن الله واحد

--------
http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=view&newsID=2182

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...