الخميس، نوفمبر 17، 2005

عروس البحيرة - قصة

نشرت في أبريل 2005 ، أنظر

فلوريدا في 21 يوليو 2003

مكان جميل ، هذا حقا هو ما أحتاج إليه .. طوال اليوم ، و طوال الليل ، أنا داخل الجدران .. الآن هذه بحيرة ، خالية من كل أحد ، و الطقس ، في أبدع أحواله ، و قد اختفت الشمس ، و لكن لم يحل الظلام بعد .. أخذت أكلي ، و جلست على المرسى الخشبي ، ملقيا رجلي نحو الماء .. و بدأت آكل .. متمنيا أن يشمل هذا الصفاء في الطقس ، و في المكان ، نفسي أيضا .. أنا سأتجه في دقائق ، إلى الجامعة ، أواصل العمل الذي لا ينتهي .. كم أتوق إلى حالة من الصفاء في داخلي ، من أجل حاجتي له ، و من أجل العمل ، هذا الذي لا ينتهي ..


يا إلاهي .. كأني حالة مستعصية ، رغم صدقي في رغبتي في الصفاء ، إلا أني قد أرحب جدا لو أن أحدا .. امرأة ، في الحقيقية .. ستتهادي ، فتعبر المسافة ، بين المرسى الخشبية ، و بين الطريق .. لتصل إلى حيث أجلس .. و تبدأ عندئذ أقصوصة معي ، لعلي في حاجة إلى أقصوصة ، لا إلى الصفاء .. سيكون شعوري كمثل المنطلق في طريق طويل ، ثم هو يقطع الانطلاق و يتوقف ليشاهد شيئا على جانب الطريق ... نوع من الثراء لانطلاقه .. لا بأس ، دعني من هذا ... حتى إن هي لم تكن تتهادي في سيرها إلى ، لا بأس .. فلتأت بأي طريقة أرادت ، أعني تأتي إلي ، أما أنها تظهر حوالي ، و كأني لست حاضرا هناك ، فإن هذا سيجعل حالي أسوأ ..


ربما تكون غاضبة من أمر ما ، أو من أحد .. ، أو قد عصفت بها الحيرة ، و لم تدر ما هو أفضل ما تفعله ، فخرجت ، مبتعدة ، عما جرى ، سعيا إلى استعادة هدوئها ، و إعادة النظر في الأمر ككل .. و ليس هناك ، أو هنا ، إلا هذه البحيرة ، و لن يكون هناك أفضل من هذا الوقت ، لاستعادة الهدوء .. و من ثم فإنها تكاد تجري ، و هي تغادر الجدران ، و ما أن تلفحها نسمة من الهواء على الباب ، حتى تقف لحظة ، و تستنشق هذا الهواء ، و تفكر في اللحظة التالية ، في إلى أين تذهب ، و لا يطول التفكير أكثر من لحظة ، ثم تتجه نحو البحيرة ، و خطواتها تتباطأ تدريجيا ، كلما اقتربت .. و أنا ، لا أنظر خلفي ، ليكون لديها من الوقت ما يكفي لتقرر أتستمر أم ترجع ، مبتعدة عني .. لا أظن أن الرجوع في هذه الحال اختيار سليم ، إذ يجب أن نمضي مع الإحساس ، فإن كنت أحس أني أميل إلى البحيرة ، و لا أرغب في مزيد من التشتت ، بالرجوع ، لمجرد أن هناك من يجلس قرب البحيرة أيضا ، فيجب أن أتبع إحساسي ، ألا يكفي أن الآخرين قد أثارونا و أغضبونا .. فهل يكونون أيضا سببا في ألا نسعى للراحة المنشودة .. أنا لا أظن هذا .. و يبدو أنها أيضا لم تظن .. فقد وصل إلى سمعي الصوت الذي أتمناه .. قائلا باقتضاب: هالو .. .. فالتفت متصورا أني أغرقت في الحلم ، لأجدها هناك ، طويلة فارهة ، تكاد تنظر لي ، و قد تطاير شعرها ، و لف كثيرا من وجهها ..


رددت بالمثل .. و بعد أن رفعت شعرها عن وجهها .. قالت أيمكن أن أجلس معك هنا ، فقلت بالتأكيد .. وبعد لحظات استرخت ، و جلستْ على المرسى ، إلى يساري .. و أطلقت عينيها إلى الأمام محدقة إلى أبعد ما تستطيع ، و أظنها لا تري شيئا أمامها .. و لما أخذتْ نفسا عميقا ، استعادتْ نظرتها البعيدة فحولتها إلى ماء البحيرة ، و طالت لحظات صمت محسوسة ، كل ما العالم الصغير الذي نحن فيه هنا ، صامت .. و هناك أسماك في الماء ، مترقبة ... أخذتْ هي تسحب عينيها تدريجيا ، فصارت تنظر إلى أصابعها ، تتأملهم .. و كان لابد أن أقول شيئا ، فاخترت ما يقولونه في العادة .. قلت كيف الحال .. فردتْ مع آثار خافية من الابتسام ، و لكني لو وصفت نظرة عينها ، لقلت مشوبة بخبث .. نظرة امرآة ! .. قد يكون هناك وصف أجمل .. لكن لا داعي الآن .. إذ أظن أنها لم تجلس ..بل كانت واقفة ، و أنا ملتفت قليلا ، أحاول الجمع بين النظر إليها ، و النظر للماء .. لتختلط النظرات .. كما هي العادة ..

و فجاءة ، قفزتْ قفزة عالية و بعيدة المدى إلى قلب البحيرة ... ثم هوتْ نحو سطح الماء ، و استقرت و هي تتأرجح .. مسافة خطوة واحدة بينها و بين سطح الماء .. فتأكدت من نظرتها المشوبة بخبث .. لكنها مشوبة أيضا بمرح ، أو عبث .. و أخذت تنظر نحوي أثناء تأرجحها في الهواء ... تكاد تضحك ، ثم لا تفعل ... أثارت مشاعري ، و ظننت أني سأطير معها .. غير أنها في طرفة عين كانت عند طرف البحيرة البعيد ، و ارتفعت قليلا عما كانت ، و مالت بدرجة ما .. و عادت تنظر لي ... و أنا أحتار في وصف نظرتها ... ثم فجأة ذهبتْ ... تحركتْ مرة أخري بسرعة الضوء ، أو خفة النسمة ، أو اختفت ، لا أستطيع التحديد ..

مجدي هلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...