الخميس، نوفمبر 17، 2005

أول الطريق نحو حفظ الهوية

نشر هذا المقال في 25 أبريل 2003 و لقراءته حيث نشر أنظر
http://www.alshaab.com/GIF/25-04-2003/a2.htm

لا أستطيع تخيل البعض و قد جلسوا لنسج خيوط مؤامرة ، على الإسلام ، و لكن الاحتمال كبير ، لا يمكن إغفاله ، و الحوادث تشير إلى أن هذه الحوادث تجري في إطار محدد .. ربما أقول إن أهداف هذا البعض قد توافقت ، فعمل كل في حاله ، و لكن من أجل نفس الهدف ، ألا و هو كسر الإسلام ، أو تفتيت الأمة العربية ، تمهيدا للقضاء عليها ، التاريخ فيه الكثير مما يشير إلى هذا ، يشير إلى أن هناك من يعملون ضدنا ، ليس فقط من أجل مصالحهم التي تتعارض مع مصالحنا ، و لكنهم يعملون ضدنا كهدف ، و لقد تكون المؤامرة توافقا و حسب ، و قد تكون خلفية ثقافية حاكمة لعقول أصحابها ، نشأت في عهود الظلام الأوربية ، و صاغتها الكنائس الغربية ، و قد يكون اليهود مشاركين ، و قد يكونون هم الملهمون ، و المحافظون باستمرار على بقاء نفس الروح على مدى التاريخ ... لا أحد يملك أن يؤكد أو ينفي فكرة المؤامرة ، غير أننا لا نستطيع أن نتغافل عن شيء ما يربط الحوادث ، و يسير بنا نحو الأسوأ باستمرار ..

و مما نراه بوضوح عند قراءة كتب الدارسين الغربيين لتاريخ المسلمين ، هو أن هؤلاء يميلون إلى تشويه هذا التاريخ ، و خسف أي قيمة لإسهام المسلمين في حضارة الإنسان ، و تسجل بعض الكتب مقولات بعض أباء الكنيسة الغربية ، و بعض المستشرقين و غيرهم ، عن تاريخ الإسلام يما ينفرهم ، و بالتالي جعلهم فريسة سهلة لمحاولات طمس الهوية و التغريب ..

و قد صدق البعض من المسلمين بهذا ، و صار يعتز بأنه مثقف ، و موضوعي ، عندما لا يبدي تقديرا لتاريخ المسلمين ، و صار الكثيرون غير قادرين على أن يروا في هذا التاريخ شيئا كبيرا ، بل يرى الغرب دائما أعلى و أفضل من الشرق الإسلامي .. فلماذ استطاع الغرب هذا . لماذا أقنعنا أنه الأفضل ، و أننا لسنا كما نظن ... هذا هو السؤال الكبير ..

و ما يدفع للتساؤل هو إصرار الغرب على التدخل في شئوننا ، فإن كانوا أحسن و أقوى فماذا يريدون منا .. فليتركونا و حالنا ، و هم قديرون على أن يحموا أنفسهم منا ، و لكن لا يفعلون ، لا يهدأ للغرب بال أبدا ، إلا و هو مجتهد في تدمير هوية هذه الأمة ، و ليس لهذا تفسير ، أهم في الغرب يريدون أن يرفعوا من شأننا ؟ .. فلما لا يرفعون من شئون شعوب أخرى في أفريقيا و آسيا و أمريكا الجنوبية ، لمائا يريدون رفع شأن المسلمين بالتحديد .. ألأن الثروات وفيرة عندنا ، و هم يطمعون فيها ، لقد كانوا دائما قادرين على الحصول عليها ، بدون مشقات بذل الجهد لتدمير الهوية ... و نحن لنا مصالح في احتياجهم إليها ..

إن هناك أهدافا أخرى ، هكذا يقول المنطق ، و هي أهداف مستمرة منذ عمق التاريخ ، و لأقل بلا دليل ، إلا شواهد الحال ، إن اليهود وراء كل مصيبة ، و بهكذا شهد بعض الغربيين أنفسهم ... مما يذكر في التاريخ أن نابلون عندما حاصر عكا ، وجه خطابه إلى اليهود ، معتبرا إياهم ورثة أرض فلسطين الشرعيين ، لكونهم بني إسرائيل ، أي أنهم كانت لهم أدوارهم من قبل أن تنشأ الصهيونية ، مما يعني أن الصهيونية ليست إلا التنظيم الحديث ، و المرحلة التطويرية للمؤامرة المستمرة ...

كتب رجاء النقاش الأهرام ، 29/3/2003 ، موردا بعضا من تقرير كتبه السفير النمساوي في تركيا الي حكومته نحو سنة‏1830 قال " إن طموحا كبيرا يسيطر علي حاكم مصر محمد علي‏,‏ وأعتقد أنه بحاجة الي عشر سنوات من السلام حتي يجعل من مصر الأمة الخامسة في العالم بعد روسيا وانجلترا وفرنسا والنمسا‏.‏ فمحمد علي يعمل بالاستناد الي اقتصاد متين وأسطول تجاري ضخم‏,‏ ومن الملاحظ أن في مصر الآن نحو سنة ‏1830‏ جيشا عربيا مدربا أحسن تدريب ومزهوا بانتصاراته‏,‏ كما أن فيها أسطولا جبارا وموارد كافية لزيادة حجم الأسطول والجيش ثلاثة أضعاف‏,‏ كما أن هناك إدارة في غني عن مديدها‏.‏ الي الأتراك أو غيرهم‏,‏ كما أن هناك انبعاثا للروح القومية عند العرب‏,‏ وميلا واضحا لدي أوساط أوروبية كثيرة للتعامل مع حكومة محمد علي‏,‏ وتقديرا واسعا يتمتع به هذا الحاكم المصري في البلاد العربية‏"
ثم يعلق الكاتب بأن مصر بعد أن حققت ما حققته في المراحل الأولي من حكم محمد علي كانت بحاجة الي سلام لمدة عشر سنوات متواصلة لتصل الي ما هو متوقع لها حتي تصبح إحدي دول العالم الكبري في ذلك العصر‏ ،‏ ومن هذه النقطة بالتحديد بدأ الهجوم علي التجربة المصرية لحرمانها من السلام الذي تحتاج إليه ، ولذلك حاول أعداء التجربة المصرية أن يدفعوها الي حروب متصلة تحرمها من الاستقرار‏ ، لكن في معظم الحروب التي خاضها محمد علي كان الجيش المصري ينتصر ، ‏ ومن هنا نشأت عند الدول الاستعمارية وعلي رأسها انجلترا حاجة قوية لحرمان الجيش المصري من قوته‏.‏

فبعد أن هاجم التحالف الأوروبي بقيادة انجلترا محمد علي فرضوا عليه اتفاقية‏13‏ فبراير سنة‏1841‏ وجاء فيها نص يقول لا يزيد عدد الجيش في زمن السلم عن‏18‏ ألفا من الجنود وكان الجيش المصري عند فرض هذه الاتفاقية يقترب من ربع مليون جندي‏.‏ أي أن الاتفاقية فرضت علي محمد علي تسريح حوالي‏95%‏ من جيشه مرة واحدة‏,‏ وبالطبع فإن التسليح قد تعرض للضعف الشديد‏,‏ وتم إغلاق الكثير من مصانع السلاح الموجودة في مصر‏.
وسوف نجد دائما أن العقدة العسكرية كانت تتحكم في النظرة الغربية الاستعمارية إلي مصر والمنطقة العربية كلها‏ ، فعندما احتلت انجلترا باحتلال مصر سنة‏1882‏ كان من أول قرارات الاحتلال الانجليزي قرار تسريح الجيش المصري كله‏ ، وهذه العقدة العسكرية قائمة في قلب السياسة الاستعمارية الغربية دائما ، فممنوع علي العرب أن تكون لهم جيوش قوية‏,‏ ومن الأفضل ألا تكون لهم قوة عسكرية أصلا‏، ‏ وجانب مهم من المعركة التي اشتعلت ضد العراق كان هو عقاب للعراقيين علي محاولتهم لإنشاء قوة عسكرية ذات شأن لهم .

و أضاف رجب البنا أن الملاحظة الثانية التي يمكن أن نخرج بها من القراءة المتأنية لتاريخ الاستعمار الغربي في العصور الحديثة هي أن الحركة الصهيونية يكون لها يد خفية أو علنية في كل الهجمات الاستعمارية ضد العرب‏ ، وهذه اليد الصهيونية تعمل حتي قبل قيام إسرائيل فبعد عام واحد من احتلال الحملة الفرنسية بقيادة نابليون لمصر سنة‏1798‏ اتجه نابليون إلي فلسطين للسيطرة عليها ، وقبل أن يبدأ معركته التي لم تنجح حول عكا أصدر بيانا أو نداء وجهه إلى اليهود معترا إياهم ورث فلسطين الشرعيين ، و دعاهم بهذا إلى الاستيلاء علي إرثهم قائلا إن هذه هي اللحظة المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين‏ " ..

من المؤكد أن نابليون لم يكن يندفع إلي توجيه مثل هذا النداء مالم تكن هناك يد خفية للحركة الصهيونية الحديثة‏,‏ قد امتدت إلي خطته للسيطرة علي مصر والشرق العربي‏ ،‏ وهذا مايكشف لنا عن أن الحركة الصهيونية الحديثة تعمل ضد مصر والعرب منذ أكثر من مائتي سنة‏ ، ومنذ ذلك التاريخ فإن كل محنة يتعرض لها الوطن العربي فلابد أن يكون للصهيونية الحديثة يد فيها‏..‏ خفية أو علنية‏.‏ وعندما صعد نجم الزعيم الوطني أحمد عرابي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر تقدم بيت روتشيلد الصهيوني بإعزاز كبير لعرابي حتي يخرج من مصر مقابل منحة مالية سخية‏,‏ وذلك حتي يتخلي عرابي عن قيادة الجيش المصري ويتراجع عن موقفه الوطني‏.‏ وقد رفض عرابي ذلك العرض واستنكره استنكارا شديدا‏.‏

إن الاستمرارية دليل ، على أن هناك عزيمة مستمرة ، و أن هناك من يقومون على استمرار تسلسل الحوادث حتى تصل إلى الهدف المتفق عليه ... فإن كان هذا واضحا بهذه الدرجة ، و الكثيرون جدا يتحدثون فيه ، فلماذا لا يقع رد الفعل ؟ ...

هل لأن الحكام في بلاد المسلمين مسلوبة إراداتهم ، أو أنهم متعاونون مع الغرب ، و ربما يتعاونون عن حسن نية ، أو عدم قدرة على الفهم ، أو عدم قدرة على عدم التعاون ، غير أن لديهم القدرة على أن يستغلوا الجماهير الرافضة ، هذا لو كانوا يريدون الدفاع عن الهوية ، فيبدو أنهم لا يريدون ، و أنهم لا يفهمون ، أو أنهم تحت السيطرة ..

أم هل لا يقع رد الفعل لأننا لا نعرف التاريخ إلى بعيون الغرب ، إن الخطوة الأولى هي معرفة التاريخ ، و ستكون الثانية هي رد الفعل ... ليس الطريق طويلا ، و لكن لا أحد يمشيه .. و من يكتبون و يتحدثون محذرين ، لا يعلمون الناس التاريخ ، و إن تحدثوا فهم يحكون معلومات أو وقائع بلا أدلة موضوعية ، يحكون عن مؤامرة اليهود ضد الخلافة ، و عن اتفاقات حكام أوروبا ضد العرب ، و لا يوثقون أو يصوغون ما يقولونه في قالب محكم ، و هم من بعد هذا أفراد ، و أصواتهم ضائعة في هدير الأصوات الموالية للغرب ، و من يعلو صوته يتعرض للتدمير الشديد ، فهناك حرص على ألا يعرف الناس تاريخهم ...

و كثير من أستاذة الجامعات في علوم التاريخ و الآداب و الإنسانيات عموما قد تعلموا على أيدي المستشرقين ، و درسوا كتبا كتبها الغربيون .. ثم هم ينقلون هذا للشباب هنا ، ينقلون الرؤى الغربية ... فنحن نرى تاريخنا بعيونهم ، .. و أكاد أقول إن المبعوثين الذين يدرسون التاريخ و الآداب و الفلسفات في الغرب ، مصدر خطر ، ، إن نكن نريد من الغرب شيئا ، فهو التقنية ، أما الفكر و الثقافة ، فليست بنفس الدرجة حتى نبعث أبناءنا ليتعلموا هناك ، ثم يعودوا أساتذة علينا ... و هم حين سيعلموننا ، فسوف يعلموننا ما تعلموه ، و ما تعلموه هو ثقافة الغرب ، و وجهات نظر الغربيين .. غير الأمينة في الغالب.

يجب أن نكتب تاريخنا بدون عيونهم ، و يجب أن نتعلمه ، و أن نفهمه ، بأنفسنا ، و أن نؤسس المذاهب العلمية لدراسته و تحليله بأيدينا ، قبل أن ننظر فيما يقوله الغرب عنا ، لكي نستطيع عندما يتطلب الأمر أن نكون على مستوى الحوار ، أما أن نسمع منهم ، نفكر كما يفكرون ، ثم نأتي نريد أن نحاور ، و أن نبني لأنفسنا الشخصية المستقلة ، فهو لا يبدو منطقيا ...

فالبداية تكون بأن ننظر بعيوننا و أن نفهم بعقولنا ، و أن نحلل بأنفسنا ... و هذه هي الخطوة الأولى ، في الطريق نحو النجاة بهويتنا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...