الخميس، نوفمبر 17، 2005

الطوفان الذي يجمّعونه لنا

نشر هذا المقال في مارس 2005 أثناء أحداث إسلام زوجة ذلك الكاهن القبطي ، و أراه ما يزال صالحا النشر الأن بعدما جرى في الإسكندرية ، فالمشكلة هي المشكلة ، و لكن بصور شتى ، لقرائته حيث نشر أنظر http://al-shaab.org/2005/18-03-2005/a18.htm

تتجمع في مصر عناصر انفجار كبير ، قد يكون المرحلة الأخيرة اللازمة لإدخال هذا البلد في الدوامة القاتلة ، من الصراعات الداخلية ، و التطاولات الخارجية ، خاصة في ظل إطار السياسات الأمريكية القائمة ، كان العنصر الأول من هذه العناصر كامنا في وقائع الأزمة التي حدثت مع إسلام زوجة ذلك الكاهن ، و التي وصلت إلى أن سلمت الحكومة الزوجة إلى الكنيسة ، و حسب ما تناولته الصحف ، فهي مقيمة أو محبوسة ، في أحد الأديرة ، لا وصول إليها ، و مما يكاد يكون هناك إجماع عليه كخلاصة لتلك الأزمة ، هو أن الدولة قد فقدت الكثير من هيبتها ، و وصل الأمر بالبعض إلى القول بأن الدولة تبخرت ، عندما كانت الحاجة إليها أشد ما تكون لدعم قيم المجتمع و أسسه ، و القيام بدور الحكم و الضابط بين عناصره ، ثم تحمل لنا الأخبار أنها لم تكن الحادثة الأولى من نوعها بل الثانية ، بعد أزمة زوجة كاهن الزاوية الحمراء.

و لم تمض أسابيع حتى تكرر الموقف بعينه ، مع اختلاف الشكل ، و ذلك في الفيوم ، مع تلك الطبيبتين ، اللتين تقول الصحف بأنهما قد حبستا حاليا في دير ، بل و قد عوقبتا من قبل الكنيسة ، بقص شعر رأسيهما ، كما قيل ، فمرة أخري لا نجد الدولة حاضرة أو قائمة بدورها ، بل نجد الكنيسة القبطية و قد أقامت سلطتها الخاصة كند لسلطة الدولة المفترضة.

و ها هي الثالثة على ما نعلم ، إذ حسب ما في بعض الصحف الأسبوع الحالي ، فإن أسرة مسيحية قد اختطفت ابنتها التي أسلمت منذ عام أو يزيد و تعيش مع زوجها المسلم في انتظار طفلهما الأول ، و علق كاتب الخبر في الصحيفة بأن تلك الأسرة المسيحية قد قامت بما كانت ستقوم به الدولة إذا ما رأت الكنيسة أنه قد حان الوقت لإعادة تلك السيدة إلى المسيحية ، فقال الكاتب إذا كان الأمن قد قام بنفسه بتسليم الفتاتين اللتين أعلنتا إسلامهما لأسرتيهما ... و زوجتي الكاهنين كذلك ... "فمن المنطقي ألا يكلف نفسه بالبحث عن زوجة مسلمة اختطفتها أسرتها المسيحية وقامت بما كان سيقوم به الأمن لو أن الفتاة قد أشهرت إسلامها هذه الأيام ... و مع هذا فزوج تلك المرأة ، الذي ليست له كنيسة تحميه ، لا يجد إلا الأمن للجوء إليه لاستعادة زوجته المخطوفة.

إن الملمح الجديد في هذه الحادثة الأخيرة هو أن الطرف الآخر أمام سلطة الدولة كلها ، لم يعد الكنيسة القبطية المصرية ، بل صار أسرة مسيحية واحدة ، ترى أنها يمكن أن تتحدى هذه الدولة .. كما أن هذه الحادثة لم تكن بسبب إسلام أحد الأقباط الآن ، و لكنها نبش في الماضي ، فأي إشارات يرسلها هذا إلينا ، على اللبيب أن يفهم ، و في الصحف الكثير لمن يريد المزيد ...

أما هذا الانفجار الكبير ، فهو ما قد يترتب على استمرار الدولة في غيبوبتها ، لاشك أن كل مصري قد أثارته تلك الحوادث ، و إن استمرارها اللافت للانتباه ، يشير إلى أن هناك من هم يعملون لترسيخ الوضع ، و ليس فقط مجرد ترسيخه باعتباره بروزا كبيرا لقوة الكنيسة ، بل هو ترسيخ يهدف إلى استثارة المسلمين في مصر ، و دفعهم إلى رد الفعل بشكل غير محسوب ، فما الذي يمنع أن تشتد حمية جماعة من الشباب ، تحت ضغط الأنباء المتتابعة لما يسميه البعض من المغرضين "انتصارات الكنيسة المصرية" ، فنجد تعديات لا على مسيحين و حسب ، بل ربما على تلك الأديرة و الكنائس التي تتحول تتدريجيا إلى مؤسسات دولة أخرى في داخل الدولة ، و الهدف سيكون "تحرير" تلك النساء المحبوسات" ، و ياله من هدف نبيل !!! (و لربما قامت جهات خارجية بعمل من هذا ، كاغتيال شخصية دينية مثلا) ، أكاد أرى ذلك قادما ، فإن لكل فعل رد فعل ، و عندما يجاوز الفعل المعقول ، فلسوف يجاوزه رد الفعل كذلك ... و الحكمة تقتضي أن يوضع هذا النوع من الاستثارة إلى جانب السياسات الحكومية الأخرى ، المناهضة بشراسة لمجرد شعار الإسلام في سلوكيات و سياسات بعض التنظيمات ، إضافة إلى الأوضاع الداخلية المائعة التي يمكن أن تساعد كل من يريد أن يقتنص الفرص ، دون خوف من عقاب ، و بجانب الأحوال العالمية المعادية للإسلام ، فإن الضغوط تأتي من كل الجهات بكل الأشكال ، و رد الفعل لابد واقع.

و رغم الخطورة المتمثلة في هذا ، و التي تأتي في وقت تتمايل فيه البلاد في موجات سياسية متضاربة بضغوط داخلية و خارجية ، و في وقت نحن فيه في حال تغير درامي ، و لا يكاد يخفى على أحد مدى الاحتقان في النفوس ، من كل الأوضاع ، سياسية و اقتصادية و اجتماعية ... فإن مثل هذا النوع من رد الفعل لن يكون هو هدف المتربصين بسلامة البلاد ، بل الهدف سيكون فتح الأبواب على مصراعيها للتدخل الأجنبي في تسيير الأحداث في مصر ، فإن مجرد حادث واحد يهاجم فيه مسلمون المسيحين في مصر ، لهو الإشارة المرجوة لفتح بوابات النار على هذا البلد المكتوي بداية ، و سنجد العالم في اليوم التالي يأمر و ينهى بشأن ما يجب أن يقع في مصر ، و للمصريين ، و يقرر لذا و لذاك دوره و حقه ، بل و حدوده ، و إذا كانت الدولة قد "تبخرت" أمام إرادة كهنة الكنيسة القبطية ، فكيف بها أمام إرادة دهاقنة الشر و الإفساد في الأرض ، المتربصين بنا ، و الباذلين جهودهم بلا كلل ، ضد وجودنا ، فاعلين في داخل البلاد و من خارجها ، و بشكل معلن ، و قد فقدت الدولة أو تكاد التفاف الشعب حولها.

أليس هذا هو ما يبدو في الأفق ، سلوكيات مقصودة ، و حوادث متعمدة ، و تصعيد مستمر ، بهدف دفع البعض ، مجرد البعض من المسلمين ، للتململ ثم للغضب و الانفعال ، ثم الهجوم ، و ما ان تنطلق الشرارة إلا و سيقع الانفجار الكبير ، و لقد تهيأ المسرح العالمي منذ حوادث سبتمبر لاعتبار المسلمين مدانين ، في كل الأحوال. إنه لا حاجة لمصر بهؤلاء المهدئين المهونين من خطورة المخاطر ، الذين ُيغيّبون الوعي ، بهذا النوع من الحكمة التي يدّعونها ، إنما الحاجة هي إلى من يمكنه أن يقرأ الأحداث ، و يرى الصورة المتكاملة ، لما يحدث من حولنا ، و ما يحدث في داخل حدودنا كذلك ، إن حاجتنا هي إلى الواعين النابهين من أبناء الوطن ، القادرين على رؤية الطوفان وراء الأفق ، من أجل منعه أن يجرفنا إلى حيثما ستكون العودة هائلة التكاليف و التضحيات .. لأن الله تعالى لن ينصرنا إلا أن نكون مستحقين للنصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...