الخميس، نوفمبر 17، 2005

حكمة الله - 6 - التفكير المنظومي

مجدي هلال - فلوريدا


إن الأمر المفتقد لدينا هو القدرة على النظرة التكاملية الشاملة التي لا تفتت الأحداث أو الأفكار ، بل ترى كل الأشياء مترابطة متصلة و متفاعلة لتؤدي في النهاية إلى إدراك حكمة الله تعالى من الخلق ، أو بعضها ، و لقد كان الفرق بين دين الله و دين البشر واضحا في كونه شمولية المعرف الإلهية بالخلق منذ آدم و حتى يوم الساعة ، في مقابل محدودية معرفة البشر ، و الممتلك للمعرفة الشاملة هو فقط القادر على استنتاج و تحديد مكونات النظام الذي يجب أن تسير الحياة به ، و لا يقدر على هذا أي إنسان لأن علمه مهما زاد فهو محدود بعمره و بقدرته على الاطلاع ، كما قلنا سابقا فإن أعظم العقول البشرية تبقى تصول و تجول في حدود ما قدره الله تعالى

عندما تتفتح أفاقنا لمثل هذا الأسلوب من التفكير (و الذي يسمى لدى دارسي العلوم الطبيعية التفكير المنظومي) ... الذي يرى الصورة الكاملة ، لا الأجزاء منها ، فإن العالم سيبدو لنا أكبر من مجرد العصر الذي نعيشه ، فهو ليس فترة حياتي مثلا ، و لا فترة حياة رئيس الولايات المتحدة ، و لا فترة حياة الولايات المتحدة ذاتها ، بل هو نظام بدء مع خلق آدم و ممتد حتى قيام الساعة

فإذا قبلنا و لو جدلا أن الدين على مدى تاريخ البشر كان النظام الموصوف للبشر لإدارة العالم ، فقد كانت الرسل يتتابعون بالكتب و الرسالات من عند الله بشكل تتطور معه البشرية ، فإذا ما حدث هذا الأمر المثير فانقطع الوحي ، و توقف بعث الرسول و نزول الكتب ، فإن المنطق الذي تعلمه البشر منذ بدء الخلق ، و هو التغير ، يجب أن يبقى حاكما ، فليس مقبولا أن الدين انتهى دوره من الحياة ، و بالتالي نكون أمام آخر الكتب المرسلة في حاجة إلى استلهام كل خبرة البشرية ، لتفسير كونه آخر الكتب ، و تحقيق الاستفادة منه ، و لو انتبهنا إلى أن أساس الكون منذ بدء الخلق هو أنه لا إله إلا الله ، و أن ما جرى و يجري و سيجري على البشر هو بإرادته المنفردة ، و بحكمته ، فإننا نستطيع استلهام الأسلوب المنظومي لنفهم ، فمنظومة العالم قد بدء وجودها و مازالت مستمرة إلى النهاية

و لما يكون الدين هو دستور الحياة الذي قد شاء الله أن لا يضاف إليه من بعد أي إضافة ، فإن هذا الدستور لابد أن يكون مناسبا لهذا الحاضر ، و للمستقبل كذلك ، و إن لم نفهم الآن فلسوف نفهم في المستقبل ، و إن لم ندرك الحكمة في أمر أو نهي بظروف الحاضر ، فإن المستقبل ليس معلوما لنا بعد ، و لابد أن فيه ما هو بحاجة إلى هذا الأمر و هذا النهي ، المستعصيين على التفسير على ما يبدو لنا ، و بالمثل فإن كان ضمن ما يحتويه هذا الدين أمور لا نجد لها استخداما في عصرنا ، فلا يجب أن ننشغل بها ، كمثل هؤلاء الذين يزعجهم أن يتحدث القرآن عن العبيد و الرقيق ... إنه انزعاج يشير إلى غباء شديد ، فإن هذا الدين قائم منذ ألف و أربعمائة سنة ، و قد كان لهذه الأحكام عملها منذ ألف سنة مثلا ، فكيف لهم أن يتصورا أنه لم توجد أجيال في الماضي استفادت من بعض هذه الأحكام ، أي عقول هذه التي تظن أن العالم بدء بهم ، أو أنه لن يأتي أحد بعدهم ، و يريدون أن ينكروا ما كان ، و أن يحرموا المستقبل و أهله مما قد يكون فيه كل الخير لأهل هذا المستقبل ، و كما قال رسول الله" ... فسددوا و قاربوا ..." ، فلنسدد و لنقارب

إن العالم لا ينتهي بنا ، و كذلك فإن دستور الحياة ليس مصنوعا لنا و حسب ، و لأنه لا كتاب من بعد القرآن ، فقد تحتم أن يشمل الكتاب الحالي كل الأشياء ، تحتم ألا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ، لنا ، و لمن أتى من قبلنا و للآتين من بعدنا ، حتى يرث الله الأرض و من عليها ، ما نحتاجه فقط هو أن نستطيع أن نرى الصورة الكاملة ، لا مجرد الأجزاء المتناثرة

و من المثير للتفكير أن الشيطان إذا ما أراد أن يغوي مؤمنا ، فإنه لا يقول له اكفر ، و لكنه يهوّن له من شأن أمر من الأمور ، كما في تلك القصة الشهيرة عن هذا الناسك الذي أودع بعض الأخوة أختهم لديه ، ثقة منهم في صلاحه و ورعه ، فقام بالأمانة إلى حين ، ثم أتاه إبليس يقول له إنها وحيدة فاذهب إليها للاطمئنان عليها و حسب ، و فعل الرجل ، ثم أتاه ثانية ليقول له أن يجلس إليها ، هي في داخل الخيمة و هو في الخارج ليسلي وحدتها في غيبة أخوتها ، و فعل ، ثم أتاه ليقول له أن يدخل عليها لتسليتها و توصيل طعام إليها ليس إلا ، و استمر إبليس يعمل حتى زل الرجل فزنى بها ، و بعد الزنى ، خاف من الفضيحة فقتلها ، و عاد أخوتها فقتلوه

فالشيطان يعمل بأن يعزل العناصر ذوات الصلة عن بعضها البعض ، فلا يرى الضحية ما في وسوسته من خطر ، فلو أن ذلك الرجل كان يستلهم إيمانه بالله الواحد ، رب العالمين ، فيجعل نظره للأشياء شموليا منظوميا ، لدرس ما يوسوس به الشيطان من البداية ، فالذهاب للاطمئنان ، قد تكون له صلة بالكلام معها ، و التسامر ، و الارتباط الشعوري ، و هكذا حتى يقع المحظور ، فلو أنه فكر في العلاقات المختلفة للحدث الوحيد البسيط الصغير ، لاستطاع أن يدرك النتائج المحتملة من هذا الأمر الصغير ، و لرأي الصلة واضحة ما بين الزنى و القتل ، و بين السؤال البريء عن الحال

و ليس من اللازم ، مع هذا ، أن يؤدي هذا السؤال إلى الخطيئة ، و لكن اللازم هو أن نعلم إلى أي شيئ يمكن أن يؤدي أي فعل أو قول يصدر من أحدنا ، و من الحكمة ألا نسلك طريقا لا ندري ما آخره ، لابد في الأقل أن نعرف ماذا يمكن أن يوجد في أخره من احتمالات
هكذا يعمل الشيطان ، إنه يفتت لنا الأعمال ، و يعزل بعضها عن بعض ، فلا تظهر لنا النتائج من ورائها ، و هكذا يعمل كثير من البشر في دعواتهم إلى الحرية في بعض معانيها ، فيتحدثون عن عناصر منفصلة ، و حقا تبدو العناصر منفصلة لا بأس بها ، بل هي خير ، و لكن الله تعالى يخلق كل الأشياء بحكمته ، و من أجل غاية حددها ، و الإيمان به سبحانه ، و بأنه الواحد ، ملك الملك ، و رب العالمين ، يقتضي أن ننظر في كونه ككل ، لا كأجزاء ، فالكون خلق واحد من خلق الله ، و ليس تجميعا لمخلوقات من خالقين متفرقين

و برغم ما يقال عنهم من مقالات ، فإن المتصوفين إذا ما بالغوا فيما يفعلون ، تجدهم يدّعون التوحد مع الكون ، فيتصورون الكلام مع الشجر و الحجر و الحيوان ... و ما هذا إلا لأنهم يقتربون من التفكير منظوميا ، فيرون الكون واحدا ، و هم جزء منه ، و لكن بلا انفصال ، إلا أنهم قد يهوون في الغلو في الدين

و من الأمور المعاصرة ، هذا الهجوم على الإسلام و القرآن بدعوى أن القرآن يدعو للعنف و القتال ، و يحتوى على كم كثير من آيات القتال ، و نحن لا يمكن ان ننكر وجود آيات القتال ، كما أن الرد بأن القتال في الإسلام له قواعد و أصول ، لا يكفي ، و لكن الرد سيكون أسهل ، إذا نظرنا لكل القرآن ، فوجدنا فيه التعليمات لكل البشر ، فيما يخص جميع أمور حياتهم ، ففيه أوامر العبادات و المعاملات ، ففيه كيف نصلى و نحج ، و نصوم ، و نتوب ، و فيه كيف نغتسل ، و ماذا نأكل أو نشرب ، و ماذا لا نأكل أو نشرب ، كيف نحيي بعضنا بعضا ، و كيف نتكافل ، كيف نرعى اليتيم ، كيف نربي الأبناء و نوقر الأباء ، فيه كيف نرعى الأسرة ، بل فيه إرشاد إلى كيفية بدء المجامعة الزوجية ، و فيه كيف نمارس العمل للربح ، و كيف تتخذ القرارات للأمة ، و فيه كيف نعاقب المجرم ، و نصلحه ، و فيه كيف نتعامل مع الأخرين من غير المسلمين .. و لو واصلت لما وصلت إلى آخر

فالقرآن دستور الحياة ، للفرد و الأفراد و الجماعة و الأمة ، و للعالم ... هو ليس كتابا لواحد من الناس ، بل أساس بناء أمة من الناس ، و كما أن لكل من الدول الحديثة جيش و وزارة دفاع و نظام للحرب و التدريب و عقيدة للدفاع عن البلاد ، فإن لأمة القرآن نظام للحرب و القتال إذا تحتما ، و عقيدة في ذلك ، و ليس وجود الجيوش في الدول منتقدا ، و ليس تكوين الجيش و نظامه كما تصفه الدساتير في كل بلد منتقدا ، فلماذا انتقاد هذا في القرآن ، و ما هو إلا دستور الحياة لهذه الأمة ، فكل الدول تعنى بجيوشها ، و تنظم التدريب و تنفق و تعد ما استطاعت من عتاد ، و لا يعد هذا عداوة ضد أحد ، و القرآن يعلمنا أصول التدرب و الاستعداد ، لمواجه الأعداء ، و لكن من الناس من يعد هذا عداوة للأخرين ، إنه منطق يخلو من المنطق ، و من المسلمين من لا يمكنه الرد على هذا ، و هو سهل للغاية ، و لكن المشكلة هي افتقاد القدرة على النظرة الشمولية المنظومية

و ليست هذه النظرة بالجديدة ، فابن خلدون مثلا عندما كتب تاريخه فإنه طبق مثل هذا المنطق ، و اتخذ من الظروف المحيطة بالأحداث ، و من طبائع الأشخاص و الشعوب المتصلة بها ، مقياسا للتحقق من صحة الروايات ، فهو لم يكتف بالخبر ، بل وضعه في إطاره الأكبر من أجل التحقق منه أولا ، ثم من أجل فهمه على الوجه الصحيح ، و ذكر مثلا القول إن بني إسرائيل كان لهم جيش قوامه 600000 جندي بعد خروجهم من مصر في زمن التيه مع موسى عليه السلام ، ثم استبعد هذا لاستحالته على أساس أنهم دخلوا مصر سبعين فردا و عاشوا فيها حوالي 220 سنة و هي فترة لا تكفي ليزيدوا إلى هذا الحد ، و أيضا فقد تأمل في نظام الشعوب المحيطة بهم ذلك الوقت ، فجيش بهذا الحجم يصعب أن لا يحتك بالدول المحيطة ، ثم إن غزو البابليين لإسرائيل فيما بعد و الذي تم فيه سوق الإسرائيليين بالمرة أسرى إلى بابل لا يمكن أن يوحي بكبر حجم دولتهم و لا حتى كثرة عددهم ... فهو قد حقق الأمر عندما ربطه بالأمور الأخرى ، لم يفصله أو يعزله ، فبان معناه و اتضح

و بالفكر المنظومي أيضا ينكشف هؤلاء المنافون ، أصحاب الأصوات الزاعقة ، أصحاب الدعوات التي هي في أجزائها دعوات حق ، و لكن في مجملها هي الخطر الكبير ، إنهم أصحاب أفكار تجديد الخطاب الديني كما يزعمون ، إذا ما قرأت لهم وجدتهم إنما يضربون في بناء الدين بأقوى ما فيهم ، و هذا هو كيف يريدون التجديد ، يصرخون طوال الوقت طالبين بهدم تقديس الأفراد ، و التخلص من سيطرة السلف علينا ، و في ذلك يسخرون من كل اسم أضاف إلى علوم الإسلام ، و يشوهون كل ما تفخر به الأمة من تاريخها ، مفترضين أن الناس إنما وصلوا إلى حد عبادة الماضي ، فمما يقولون من حق هو أن كل شيئ يجب أن يكون في محل النقد ... إنه لا خطأ في هذا ، و لكن كيف يعملونه؟ هم يملئون الصحف و الكتب تشويها و نيلا من تاريخ الإسلام ، و كأن النقد تشويه و حسب ، و هم يكتبون طوال الوقت مستنكرين أراء كل اسم سمعوا به ، فمن هو أبو هريرة عندهم ، و من هو البخاري عندهم ، و الزمخشري مثير للغثيان ، و الطبري متخلف عائش في الخزعبلات ، و كل الباقين لا يخرج عن هذا ، و بمثل ذلك هم يهدمون الأصنام من أجل تحرير الدين من سجن الماضي ، و من أجل تخليص المسلمين من أصنام العصور السابقة ، كما يزعمون

و للتاريخ عند كثير منهم هوى كبير ، لا بغرض دراسته ، و لكن لتحطيمه ، فلا يوجد ما هو مستحق للاعتبار به في تاريخ الإسلام ؛ كل شيئ كان سيئا ، كان ظلما ، و افتراءا ، و مخالفة لصحيح الدين ، الذي هم فقط قد اكتشفوه فجأة

فإذا كانوا يريدون تحرير العقول من أسر الماضي ، فهم معترفون بأن الماضي كان قويا كبيرا ، و أن الحاضر هزيل لم يستطع أن يقدم له بديلا ، و دعنا من هذا ، فهم إن كانوا يريدون القضاء على تقديس الأشخاص و أصنام الماضي ، فلماذا لا يستطيعون هم أن يخرجوا من سيطرة هذه الأصنام (في زعمهم) و يكتبوا كتابات بعيدة عن هذا الماضي ليقدموا البديل لمن يريد ، لماذا يريدون أن يأخذوا ما في أيدي الناس قبل إعطائهم البديل ، إنهم لا يكتبون إلا عن الماضي ، و بحقد و كره عجيب ، رغم أن الماضي ماض ، كان فيه أشخاص بنوا ما بنوا ثم ماتوا ، إلا أن هؤلاء المجددين لا يستطيعون الإفلات منه ، إن مهتهم هي إخراج الناس من أسر الماضي ، و لكنهم هم أنفسهم لا يستطيعون الخروج منه ، فإذا هم كتبوا كتبوا عنه ، و إن فكروا فكروا فيه ، و معنى هذا هو أنهم لا بديل لديهم ، و أن كل ما يريدون هو الهدم و التشويه ، ثم ترك الناس بلا معنى و لا قيمة ، ظانين أن هذه حرية

من لا يعجبه الماضي ، لا يهدمه ، لأن هذا لا فائدة منه ، و أضراره بشعة التصور ، و لكن من لا يعجبه الماضي عليه أن يمثل لنا البديل ، و ما الماضي إلا الأرض التي نقف عليها ، إنه لا يتحرك و لكننا نحن نتحرك ، إنه ماض لا يفعل شيئا و لكننا نحن القادرون على الفعل ، فهل عندما نقدر على الفعل نبدأ بحفر الأرض تحت أرجلنا؟ ، كيف سنستطيع أن نفعل فعلا أو أن نبني بناءا على لاشيئ؟ .. يجب أن نفكر في هذا السؤال

المطلوب منهم ، بما أنهم قادرون على التفكير ، هو التفكير في الصورة الكاملة لهذه الحياة ، فهم ينتقدون سوء ظروف معيشة المسلمين ، و هذا صحيح ، فما أحد أسوأ حالا من المسلمين في عالم اليوم ، و هم في نقدهم يجمعون كامل حقدهم على رجال الدين ، رغم أن المشكلة واضحة و هي أن بعضا من الناس ، منهم بعض رجال الدين ، و منهم من ليسوا إلا هواة التشدق و المرائين ، قد علا صوتهم بأفكار التشدد و التكفير ، و من عجب أن هذه الأفكار قد أثرت بل قويت بشكل كبير ، و هنا انبرى أولئك القوم الذين أغلب حالهم النفاق ، ليحاربوا الدين ذاته ، باعتبار أنه أساس هذه الأفكار ، و طوال الوقت يقولون إنه دين السماحة و الحرية و السلام ، فإن يكونوا يقولون هذا فكيف يعتبرون أن دعوات هؤلاء المتشديدن ناقصي العلم و الفهم ، هي التي تمثل الدين ، كيف لمن يريد أن يفكر للآخرين أن يكون غبيا إلى حد أن يقبل دعوى أي نظام حكم فاسد ، بأنه نظام حكم إسلامي؟ منطق غريب

إنهم يتجاهلون أن يروا ما هو واضح ، و ما هو واضح هو أن سوء أحوالنا سببه فساد نظم الحكم و استبدادها ، و هو فساد ليس سياسيا فقط ، و لكنه فساد أخلاقي ، فالحكومات تفسد أخلاق المسلمين لإشغالهم عن السعى للتخلص منهم ، و هذا هو أس البلايا ، و بسبب هذا حدث ما هو متوقع ، حدث رد الفعل ، فنشأت الجماعات الداعية إلى الحفاظ على الأخلاق و القيم ، الداعية إلى الحفاظ على الدين ، و لكن حكومات الشياطين قد تملكتها الشياطين و حاربت أصحاب دعوات مقاومة الفساد ، بل و سيطرت على مؤسسات الدين ، و تكاد تكون قد شلت قدراتها ، فلقد اشتد طغيان الفساد في البلاد ، و من الطبيعي أن يشتد رد الفعل بالمثل ، و أمام آلات الإفساد المتعمد الرهيبة ، صارت حماية الدين ، و التمسك بأصوله هي الأمر المتاح ، إذ كيف الثقة بقول قائل أو فعل فاعل ، و قد ملك الفساد كل جوانب الحياة ، أو كاد ، إن الأسلم عندئذ هو التمسك بما علمنا أنه صحيح ، لا بما نظن أنه صحيح ، و هنا يبرز لنا الماضي متميزا ، ليكون الملجأ لنا ، إنه ما نعلم أن صحيح ، و نعلم أنه قد حقق الأمال من قبل ، فلنتمسك به إذن

و من هنا أتت المشكلات ، إن المشكلات ليست من الماضي ، و لكن من انعدام البديل الحالي ، بسبب سيطرة المفسدين ، فماذا يبقى لنا إلا الماضي؟ ، و أمام طوفان الكلام و الكتب و المقالات المفسدة بوضوح ، لا يمكن الثقة فيما يقال ، و سيضيع الصحيح بين السقيم ، و تحتدم الصراعات بين كل من يستطيعون الكلام ، و لكن في كل الأوقات سيبقى الماضي كما هو

و لقد تنبه المرجفون في البلاد ، إلى هذا ، فتحولت جهودهم إلى تحطيم هذا الماضي ، ليبقى الناس بلا أرض تقلهم و لا أمال ينزعون إليها
و لكن لأنه الإسلام الذي قدر الله سبحانه أنه هو نفسه جلا و علا ، سيظهره على الدين كله ، و لو كره المشركون و الكافرون ، فهو يستعصي على ذلك ، يستعصي على أن يشوهه أو أن ينال أي شيئ منه ، حاقد أو مفسد أو مرجف ، و تبقى المعركة محتدمة

و الحل يكون في النظرة الأشمل ، التي بها نحدد سبب الداء ، فنقضي عليه ، و عندها سيمكننا تحقيق الأمال و إعلاء كلمة الله الصحيحة في أرضه ، و هنا ينكشف لنا المنافقون ، فهم إن أرادوا إصلاحا فإن الحرب هي الحرب ضد الفساد الحكومي ، و الفساد التي تستورده الحكومات ، و بعض من الناس ، إلا أنهم لا يرون إلا الدين محلا لجهادهم ، لا لإعلاء شأنه و لكن لهدمه ، إنهم يفصلون عناصر الحال عن بعضها ، فيرون تشددا دينيا ، و يرون انحرافا بالدين ، و يرون تفاهات تأخذ أعلى الأولويات ، و يرون شعوبا في أسوأ حال ، و يرون فسادا مستشريا ، و يرون الناس لا يملأ قلوبهم إلا الدين ، و لكن الدين قد علقت به تلك الأفكار المتشددة ، فيكون عملهم عندما يرون هذا هو أن يحاربوا الدين ، لأن هذا هو أبرز ما في الصورة ، و لكن لو أنهم يرون الصورة الكاملة ، و يدركون العلاقات الصحيحة بين عناصرها ، لو أن تفكيرهم متكامل ، لرأوا الأسباب الصحيحة ، و لميزوا النتائج من المسببات ، و عندها سيكون توجيه الجهود صحيحا

إنما لأن الصورة الكلية مفقودة ، و لأن الرغبة في الإصلاح هي نفاق في أحوال كثيرة ، فإنهم لا يعملون ما يجب عمله ، بل لأغراض أخري يحاربون الدين و رموزه و معانيه ، بل و باسم الحرية و المساواة و التقارب و السلام العالمي !!! .. و يريدون هدم هذا الدين ، غير أن هذا الدين لا يمكن هدمه ، إنه كالصلب كلما ضربته بأشد ما تستطيع ارتدت الضربة إليك أكثر شدة ، و لذلك سيستمر الحال ، و لن ينصلح حال المسلمين بسبب إفساد دعاة التجديد هؤلاء ، و صدق الله تعالى إذ يقول عنهم في البقرة: وَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ 11 أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَ لَكِنْ لا يَشْعُرُونَ 12
-------
http://www.shbabmisr.com/XPage.asp?browser=view&newsID=2353

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من سيدخل الجنة

 جاء في التليفزيون المصري، في رمضان الحالي، أن المفتي السابق علي جمعة، يحدث الأطفال، فسألته طفلة، لماذا المسلمون فقط سيدخلون الجنة، وهناك أد...